[اختلاف الناس في صفات الله وبيان مذهبهم]
وقد اختلف الناس، واختلافهم عظيم، ولكنه يرجع إلى ثلاثة مذاهب: المذهب الأول: ادعى أصحاب هذا المذهب أن إثبات هذه الصفات الذاتية لله تبارك وتعالى يستلزم التشبيه.
قالوا: إذا كان لله يدان وعينان، وله سمع وله قدم وعين وساق إلى غير ذلك فإن هذا يستلزم أن يكون الله عز وجل مشبهاً بخلقه.
ولذلك وقعوا إما في التمثيل، وإما في التعطيل.
قالوا: لا ينبغي لإله أن يتصف بما يتصف به خلقه، ولذلك عطلوا هذه الصفات فقالوا: ليس لله يد ولا ساق ولا عين ولا نفس، وغير ذلك من الصفات الخبرية؛ لأن وجود هذه الصفات وإثباتها لله يستلزم المماثلة والمشابهة مع خلقه؛ ولكنهم لا يقولون ولا يجترئون أن يقولوا: نعطل هذه الصفات؛ لأنهم لو قالوا ذلك وصرحوا به لكان لأطفال المسلمين الذين يلعبون في الشوارع أن يكفروهم، ولكنهم قالوا: لا.
العين يقصد بها: الرعاية.
واليد يقصد بها: القوة.
والساق يقصد بها: الرفعة، وغير ذلك من تأويل النصوص وصرفها عن ظاهرها وعن مراد الله تبارك وتعالى منها.
فهم لم يصرفوا هذه الصفات ويعطلوها عن الله عز وجل صراحة، وإنما أولوها فوقعوا في شر عظيم جداً؛ ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: المتأول أشد شراً من المعطل.
ويقول أيضاً: إن الممثل يعبد صنماً، وإن المعطل يعبد عدماً.
لأنه لا يمكن أن يكون هناك ذات بغير صفات، فإذا كنت تؤمن بذات الله تبارك وتعالى وأنها ذات علية موجودة، فإن هذه الذات لابد أن يكون لها صفات؛ لأن ذوات كل شيء لها صفات، فكذلك ذات المولى تبارك وتعالى أولى وأحرى أن تكون لها صفات خاصة، وقد أخبر المولى تبارك وتعالى بصفاته في كتابه، وأخبر بها رسوله عليه الصلاة والسلام.
إن الذي ينفي هذه الصفات عن الله عز وجل ويعطلها عن الذات لابد أنه سيخرج في النهاية بلا ذات، وإذا كان يستحيل أن توجد ذات بغير صفات في حال تعطيلك فلابد أن يكون في النهاية أنك تعبد إلهاً غير موجود، وغير متصف بأي صفة من الصفات، فهو والعدم سواء.
هذا في مذهب المعطلة؛ ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: المعطل يعبد عدماً.
والممثل يقول: إن يد الله كيدي، وإن عيني الله كعيني، وإن رجل الله كرجلي، فسيصير هذا الإله في النهاية عبارة عن إنسان، ربما يكون جميلاً وربما يكون هو كالإنسان في جماله أو أقل أو أكثر، والذي يعبد الله على هذا النحو لا شك أنه يعبد صنماً.
ولذلك أهل السنة والجماعة ذهبوا مذهباً وسطاً بين الممثلة والمشبهة، وبين المعطلة والنفاة من جهة أخرى، فلم يعطلوا الصفة عن الذات، ولم يمثلوا هذه الصفة بصفات المخلوقين، ولكنهم أثبتوا الصفة ثبوتاً حقيقياً لله عز وجل كما يليق بجلاله، فلا يشبهونها بصفات المخلوقين، ولا يعطلون الصفة عن الذات، فأثبتوا الصفات من جهة، وهذا الإثبات يليق بالله عز وجل، وليست هذه الصفات كصفات المخلوقين، فالله تبارك وتعالى له يدان، لكن هاتين اليدين ليست كيدي، وله عينان ليست كعيني، وله ساق ليست كساقي؛ لأن ذاته تختلف عن ذاتي، فلابد أن تختلف الصفات كذلك عن صفاتي.
فأهل السنة والجماعة لهم مذهب وسط بين المعطلة وبين المشبهة إذ أثبتوا لله تعالى ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بكماله عز وجل وعظمته، فلا إشكال حينئذ.
ما الذي يضرك أن تعلم أن لله يدين على الوجه اللائق به؟ لأن الأيدي في لغة المخلوقين وحياتهم مختلفة، فإن أيدي الضفادع والبهائم ليست كأيدي الآدميين، وليست أيدي الجن كأيدي الإنس، فإذا كانت الأيادي والصفات تختلف في عالم المخلوقات، فلم لا تقول بهذا الاختلاف بين الخالق والمخلوق.
وأن لله صفات تختلف عن صفات المخلوقين جميعاً؟ ولكن لما وقع الخلاف وبين أبناء هذه الملة المباركة، وكل واحد منهم نحا نحواً يختلف فيه عما أراده النبي عليه الصلاة والسلام، وعما أراده الله عز وجل، لاشك أنهم يبتعدون كل البعد، ويتشبهون تارة بالنصارى، وتارة باليهود الذين قالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة:٦٤].
إذاً: لابد أن نذهب المذهب الوسط بين الممثلة الذين شبهوا صفات الخالق بصفات المخلوق، وبين المعطلة الذين نفوا عن الذات جميع الصفات، وبعضهم نفى بعض الصفات وأثبت بعضها.