[مذهب الإمام ابن تيمية في الأسماء والصفات]
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله في منهج أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بصفات الله عز وجل، وذلك في المجلد الخامس (صفحة ٤٥) من مجموع الفتاوى: [فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم سميناه كما سماه].
أي: إذا وصف الله نفسه بوصف، أو وصف رسوله الكريم ربه تبارك وتعالى بوصف أو سماه باسم سميناه كما سماه من غير زيادة ولا نقصان، ومن غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل.
قال: [ولم نتكلف منه صفة ما سواه].
يعني: لا نتكلف من عند أنفسنا إثبات صفة لله عز وجل لم يثبتها لنفسه ولم يثبتها له رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
قال: [لا نجحد ما وصف، ولا نتكلف معرفة ما لم يصف].
والجحود أنواع: الجحود بالتأويل، والجحود بالتحريف، والجحود بالتعطيل، والجحود بالتمثيل.
فلا نجحد ما وصف الله به نفسه، كما أننا لا نتكلف وصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه، فإننا بين أمرين: أن نؤمن بما سمى الله تعالى به نفسه وما وصف به نفسه أو وصفه رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، ولا نجحد شيئاً مما ثبت في الكتاب والسنة، ولا نتكلف شيئاً من عند أنفسنا لم يكن له وجود في الكتاب والسنة.
قال: [اعلم رحمك الله أن العصمة في الدين أن تنتهي في الدين حيث انتهى بك].
يعني: أن تكون وقافاً عند حد الكتاب والسنة.
[ولا تجاوز ما قد حد لك].
أي: لا تجاوز حدك، إما في الإثبات وإما في النفي.
[فإن من قوام الدين: معرفة المعروف وإنكار المنكر، فما بسطت عليه المعرفة وسكنت إليه الأفئدة وذكر أصله في الكتاب والسنة وتوارثت علمه الأمة فلا تخافن في ذكره وصفته من ربك ما وصف من نفسه عيباً؛ ولا تتكلفن بما وصف لك من ذلك قدراً].
وهو نفس معنى الكلام السابق.
قال: [وما أنكرته نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك].
يعني: شيء لا أصل له في الكتاب ولا في السنة، وضم إلى ذلك أن نفسك قد أنكرت هذا.
قال: [وما أنكرته نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك ولا في حديث عن نبيك من ذكر صفة ربك فلا تكلفن علمه بعقلك].
يعني: لا تثبتن شيئاً من ذلك بالعقل؛ لأن باب الصفات هو تماماً كباب الذات، فكما أنه يستحيل على آدمي أن يصف ذات الله تبارك وتعالى، يستحيل عليه كذلك أن يتكلم في باب الصفات؛ لأن أهل العلم يقولون: الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، ولما كان الكل مجمعين على أن ذات الله تبارك وتعالى غيب لا يعلمها أحد فكذلك لابد وأن تكون الصفات تابعة لذلك، فلا يجوز لأحد أن يتكلم في صفة من صفات الله عز وجل، وفي كيفيتها.
لا أقصد معناها، كما أني لا أقصد العلم بها.
وقلنا من قبل: إن السلف إنما فوضوا الكيف ولم يفوضوا المعنى ولا العلم، فالصفة معلومة لله عز وجل، أثبت لنفسه العين، فلابد وأن يكون عندي علم بأن الله أثبت العين لنفسه، ومعنى العين معلوم لدي؛ لأن الله تبارك وتعالى يستحيل أن يخاطبني بشيء لا علم لي به، ثم يكلفني الإيمان به، ولذلك مخاطبة الخلق بالمحال محال.
أي: مخاطبة الخلق بشيء لا يعرفونه ثم لزوم الإيمان به أمر محال، والله تبارك وتعالى لم يتعبد خلقه بأمر محال، فإذا أثبت لنفسه العين علمت أنها عين حقيقة لله تبارك وتعالى كما أن لي عين، ولكن لما اختلفت ذات الله عن ذات المخلوق، لابد بالتالي أن تختلف صفات الخالق عن صفات المخلوقين.
ومعنى العين: أنها عين حقيقة كما يفهمها المستمع لها أولاً، والقائل بها أولاً، ولكنها عين تختلف عن أعين المخلوقين؛ لاختلاف الذات، فلابد بالتالي أن تختلف الصفات.
قال: [وما أنكرته نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك ولا في حديث نبيك من ذكر صفة ربك فلا تكلفن علمه بعقلك].
يعني: إذا كان الله تبارك وتعالى نفى صفة عن نفسه، أو سكت عنها فلم يثبتها ولم ينفها فلا تتكلف إثبات ذلك أو نفيه بعقلك، ولكن الأمر كما قال أحمد بن حنبل: أصول الدين عندنا الالتزام بالكتاب والسنة.
أي: أصول الدين عندنا أن نلتزم بالكتاب والسنة.
ومعنى الالتزام بالكتاب والسنة: أن تقول بما قال الله عز وجل إثباتاً ونفياً، وأن تقول بما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام إثباتاً ونفياً.
أي: ما كان مثبتاً في الكتاب والسنة أثبتناه، إذا كان هذا في حق الإله، فإنما نثبته على الوجه اللائق بالله عز وجل، وإذا كان في حقي فإن هذا أمر يحتمل الكمال البشري ويحتمل العين البشرية، كما أن الله عز وجل خلقني وأثبت أن لي عينين، فإن كانتا سليمتين فيكون كمالاً بشرياً في الرؤية أو في وجود العينين، وإما أن أكون أعور العين أو أعمى كفيفاً فهذا