للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كلام الأصبهاني في إثبات صفة الوجه لله تعالى]

قال الأصبهاني في كتاب الحجة: ذكر إثبات وجه الله عز وجل الذي وصفه بالجلال والإكرام، والضمير في قوله (وصفه) يعود على الوجه.

قال: باب: ذكر إثبات وجه الله عز وجل الذي وصفه بالجلال والإكرام والبقاء في قوله عز وجل: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٧].

فهو لم يقل: ذي الجلال، وإنما قال: ((ذُو الْجَلالِ))، وذو الجلال صفة للوجه، ولو قال: ذي الجلال لكان الجلال والإكرام صفتان للرب تبارك وتعالى، وليس للوجه.

وقال تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٧٨].

وهنا لابد أن نفرق بين الآيتين، فلم يقل الله تبارك وتعالى في الآيتين: (ذو).

ولم يقل فيهما: (ذي)، وإنما قال في الوجه: {ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٧]، وقال في الذات: {ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٧٨].

وهذا يدلنا على إثبات الوجه، وأنه متصف بالجلال والإكرام، وعلى إثبات الذات، وأنها كذلك متصفة بالجلال والإكرام، فمن قال: إن الوجه عبارة عن الذات -أي: أنه ذات بلا وجه- فلابد وأنه سيخطئ في تفسير قوليه تبارك وتعالى: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو) و (ذِي)، ولن يخرج من هذه الورطة.

وقد تعرض ابن عثيمين -رحمه الله- لهاتين الآيتين اللتين ذكرتا في كتاب الله وتعرض كذلك لأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، فقال في الآية الأولى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٧]: وهذه معطوفة على قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن:٢٦].

ثم أعقب ذلك بقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن:٢٧].

ولهذا قال بعض السلف: ينبغي إذا قرأت: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} أن تصلها بقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}؛ حتى تبين الاستثناء؛ حتى يتبين نقص المخلوق وكمال الخالق، وذلك للتقابل، فهذا فناء وهذا بقاء.

أي: هذا فناء كتب على المخلوقين، وهذا بقاء واجب لله تبارك وتعالى.

وقال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}، أي: لا يفنى.

الوجه معناه معلوم عند العرب، فهو ثابت لله عز وجل، وكيفيته لدينا مجهولة، كما أن الذات مجهولة لدينا، وكذلك الصفات مجهولة لدينا، ونحن لا نعلم كيفية وجه الله تبارك وتعالى كما لا نعلم سائر صفاته، ولكنه يلزمنا أن نؤمن بأن له وجهاً موصوفاً بالجلال والإكرام، وموصوفاً بالبهاء والعظمة والنور العظيم، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).

وسبحات وجهه أي: بهاءه وعظمته وجلاله ونوره.

وقوله: (ما انتهى إليه بصره من خلقه) فبصره ينتهي إلى كل شيء.

يعني: لو أن الله كشف هذا الحجاب -الذي هو من نور- لأحرقت سبحات وجهه جميع المخلوقين؛ لأن بصره ينتهي إلى جميع المخلوقين، وعليه فلو كشف الله هذا الحجاب -الذي هو النور أو النار- لاحترق كل شيء في الأرض.

ولهذا نقول: هذا الوجه وجه عظيم، ولا يمكن أبداً أن يماثل أوجه المخلوقات.

وبناء على هذا نقول: من عقيدتنا أننا نثبت أن لله وجهاً حقيقة، وقد أخذنا هذا ونأخذه من قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٧].

وهذا الوجه لا يماثل أوجه المخلوقين؛ لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١].

فهذا نفي للمثلية بين الخالق والمخلوق، ونحن نجهل كيفية هذا الوجه؛ لقوله تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:١١٠].

فإن حاول أحد أن يتصور هذه الكيفية بقلبه، أو أن يتحدث عنها بلسانه فهو مبتدع ضال؛ لأن هذا ليس طريق السلف، وهو قول على الله من غير علم، وقد حرم الله علينا أن نقول عليه ما لا نعلم، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:٣٣] فالتعرض لذكر كيفية الوجه لله عز وجل قول على الله بغير علم.

وقال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:٣٦]، أي: أنك مسئول على كل هؤلاء.

وأما قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن:٢٧]، فقد وصف نفسه بأنه رب محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه ربوبية خاصة، وقوله: ((ذُو)) صفة للوجه، والدليل الرفع، فلم يقل: ذي، وإنما قال: ذو، ولو كانت صفة للرب لقال: ذي الجلال، كما قال في نفس السورة: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْ