ذهب طوائف من أهل العلم إلى سماع الموتى كلام الأحياء في الجملة، فبين منه أن طائفة من العلماء وافقوا عائشة رضي الله عنها على عدم السماع وأن منهم القاضي أبو يعلى الذي هو من أكابر علماء الحنبلية، كما هو مذهب أئمتنا الحنفية رحمهم الله.
وفي كتاب روح المعاني احتج من أجاز السماع بالجملة بما رواه البيهقي والحاكم وصححه وغيرهما عن أبي هريرة:(أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على مصعب بن عمير وعلى أصحابه حين رجع من أحد فقال: أشهد أنكم أحياء عند الله تعالى، فزوروهم وسلموا عليهم، فوالذي نفسي بيده لا يسلم أحد عليهم إلا ردوا عليه إلى يوم القيامة)، هذا يدل في ظاهره أن الموتى يسمعون إلى يوم القيامة، ولكن هذا الحديث حديث باطل منكر.
كما في الحديث الآخر:(ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه) هذا الحديث يحفظه عامة الناس، وهو حديث أشد نكارة من الذي قبله.
وقال البخاري في بابه: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على كفار قريش، وهلاكهم يوم بدر، ذكر عند عائشة رضي الله عنها أن ابن عمر رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوله:(إن الميت ليعذب في قبره ببكاء أهله) فقالت: (ذهل ابن عمر، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه ليعذب بخطيئته وذنبه، وإن أهله ليبكون عليه الآن).
قال: وذلك مثل قولها: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب وفيه قتلى بدر من المشركين فما قال لهم: إنهم ليسمعون ما أقول، إنما قال: إنهم الآن ليعلمون) ولم يقل: يسمعون.
قال الحافظ ابن حجر في شرحه: قال السهيلي: إن في نفس الخبر ما يدل على خرق العادة بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لقول الصحابة له:(أتخاطب أقواماً قد جيفوا؟) يعني: صاروا جيفاً فأجابهم.
قال: وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحالة عالمين جاز أن يكونوا سامعين، وذلك إما بآذانهم في رءوسهم على القول الأكثر، أو بآذان قلوبهم.
قال: وقد تمسك بهذا الحديث من يقول: إن السؤال يتوجه على الروح والبدن، ورده من قال: إنما يتوجه على الروح فقط؛ لأن الأسماع يحتمل أن يكون بأذن الرأس، ويحتمل أن يكون بأذن الرأس وبأذن القلب، فلم يبق فيه حجة.
وإذا كان الذي وقع حينئذ من خوارق العادة للنبي عليه الصلاة والسلام لم يحسن التمسك به في مسألة سؤاله أصلاً.