[حديث: (لا عليكم ألا تعجلوا بأحد حتى تنظروا بما يختم له)]
قال: [عن أنس رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا عليكم ألا تعجلوا بأحد حتى تنظروا بما يُختم له)].
أي: لا تقطعوا لأحد بالجنة أو النار حتى تنظروا ماذا يختم له.
ولذلك الإمام النووي رحمة الله تعالى ذكر خلاف أهل العلم في مسألة الدعاء للمشركين أو للكفار، أو الدعاء عليهم ما داموا أحياء، وذكر أن في المسألة ثلاثة أقوال: الأول: أنه يجوز.
الثاني: لا يجوز مطلقاً.
الثالث: يجوز الدعاء عليهم إذا ماتوا على الشرك والكفر.
ونقل الثلاثة الأقوال ورجح القول الثالث.
أي: أنه لا يجوز الدعاء عليهم في الحياة، وإنما يجوز الدعاء عليهم إذا خُتم لهم بالكفر.
وإذا كان هذا في حق الكفار، وأهل العلم قد اختلفوا فيهم على هذه الأقوال، فما بالكم بأصحاب المعاصي؟! لو نظرنا إلى معتقد أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بأهل القبلة من المسلمين من أصحاب المعاصي، فسنجد أن المعتقد فيهم: أننا نرجو الله تبارك وتعالى لهم الرحمة، وأن يوفقهم للطاعة، وأن يرحمهم في الآخرة، ولا نقطع لأحد بالجنة أو النار إلا من قطع له القرآن أو السنة بذلك؛ لأن الجنة والنار ليست ملكاً لأحد، لا نبي مرسل، ولا ملك مقرب، فكيف نقطع لفلان بأنه من أهل الجنة أو من أهل النار؟! أرأيتم لو أن رجلاً مسلماً قاتل كافراً فلما تمكن المسلم من الكافر -وما هي إلا ضربة بسيف أو طعنة برمح ويذهب ذلك الكافر إلى ربه- نطق الكافر بكلمة التوحيد!! وقد فعل ذلك أسامة بن زيد كما في الحديث المعروف، فلما علم ذلك النبي عليه الصلاة والسلام غضب غضباً شديداً، ولام أسامة لوماً عظيماً، حتى قال أسامة: ليتني أسلمت الآن.
وكأنه يقول: ليتني عملت هذا وأنا في حال كفري، ثم أسلمت الآن من غير أن أقترف هذا الذنب.
لكن: لو أن الذي قالها قالها مخلصاً ولم يقلها مخافة السيف أو نجاة من القتل ولم يعمل شيئاً قط غير أنه نطق بكلمة التوحيد فإنه من أهل الجنة، مع أن عمله كله في حياته يشهد له بالنار، لكن الله تعالى ختم له بخاتمة السعادة.
وكثير في التاريخ ما يروي عن بعض أهل الطاعات فيما يبدو للناس ما يخالف ذلك عند الموت، بل ذكر الذهبي رحمه الله عن رجل أنه قال في سكرات موته حينما لُقن الشهادة: أنا لا أُحبها، أنا كافر بالله العظيم، ثم خرجت روحه، مع أن عمله كان فيما يبدو للناس أنه من أهل الجنة.
فلما كان هذا أمراً غيبياً فإنه لا يجوز القطع لأحد قط بجنة ولا نار إلا من شهد القرآن أو السنة بأنه من أهل الجنة أو من أهل النار، فذلك متعلق بمن شهد له القرآن أو السنة عيناً، كـ أبي لهب وغيره مما ذُكر في القرآن والسنة، ولا يجوز لمتنطع أن يقول: وما يدرينا أن هذا الكافر أو هذا النصراني أو هذا المشرك مات على الكفر البواح؟ فلعله كان مسلماً ولكننا لا ندري، أو لعله أسلم وأخفى إسلامه، ولعل ولعل، والباب واسع جداً! لذا فنحن لنا الظاهر والله تعالى يتولى السرائر.
فلو أن رجلاً مات على نصرانيته المعلومة لدينا، فهل يجوز لنا أن نقول: لعل هذا الرجل مات مسلماً ونُنزله منزلة المسلمين فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويقبر في مقابر المسلمين؟ إن ذلك لا يصلح قط، أما إن كان قد أسلم وأخفى إسلامه فهذا بينه وبين الله عز وجل، وهو يكافؤه على ذلك يوم القيامة، أما نحن فليس لنا إلا الظاهر.