إذا سئلت مسألة أعلمها ولكنني لا أتذكر الدليل جيداً من الكتاب والسنة، أو أنني أعلم الدليل ولكني أشك في صحته وتمام الإجابة؛ فهل إذا سكت عن الإجابة التي ربما تنفع مسلماً أكون كاتماً للعلم النافع وواقعاً في الإثم حقاً أم أنني على صواب؟
الجواب
القاضي والعالم لا يلزمان بسوق الدليل عند إجابة الأسئلة، فإذا ساقا الدليل على صحة كلامهما فهذا فضل، ولذلك استقر في أذهان وعقول وقلوب الناس -العالم منهم والجاهل- أن الحاكم إذا حكم بحكم لا يطالبه المحكوم عليه بسوق أدلته، وأجمع أهل العلم أن القاضي لا يلزم بإثبات أدلته، أو بسوق مستنده في هذا الحكم، وكذلك المفتي.
وتجد في أصول الفقه مسألة: هل يلزم المفتي أن يسوق أدلة فتواه في كل فتوى؟ ويجيبون كلهم: بـ (لا).
قولاً واحداً، فإذا ساق فهذا فضل، فأنت لا يلزمك أن تسوق الدليل، وإن سقته كان أحسن وأفضل.
وإذا كنت تعلم أن الذي يستفتيك متعنت فلا تجبه ابتداء، وقد كان الرجل يأتي إلى مالك فيسأله السؤال فلا يجبه مالك، فيعيده عليه فلا يجبه مالك، وقد حدث منه هذا مرات وفي عدة مجالس، فإذا تأدب وانكسر وذل بين يدي الإمام أجابه، ثم يقول له الإمام في نهاية
الجواب
يا فلان! سل تعلماً ولا تسل تعنتاً، فإن الذي يتأدب ويريد أن يتعلم علمناه، وأما من يريد أن يتنطع فلا؛ لأن الذي لم يتأدب ولم يتعلم أصول الأدب في طلب العلم فلابد وأنه سيفسد بهذا العلم كثيراً، وهناك أناس كثر في هذا الزمان تعلموا بعض العلم ولم يتعلموا له الأدب فصار شرهم على علماء الأمة بالذات ظاهر وبين وواضح، وأول ما طعنوا طعنوا في أهل العلم؛ لأنهم لم يتعلموا الإخلاص أولاً في طلب العلم الذي هو أوجب الواجبات على طالب العلم، ثم لم يتعلموا حق الشيخ، وحق الكتاب، وحق الأقران، وحق الأمة عليهم، فإذا لم يتعلم طالب العلم هذا كله وهجم على العلم هجوماً فلابد وأنه سيتراجع عن طلب العلم، ثم بعد ذلك يدير ظهره لعلماء الأمة وطلاب العلم فيها.