للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اعتقاد أهل السنة والجماعة في صفة نزول الرب تبارك وتعالى]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

تعرضنا لصفات الذات لربنا تبارك وتعالى، ويقاس عليه ما لم نذكر، ويفهم مما ذكرنا المراد، فتعرضنا لذكر الساق واليد والعين والقدم وغيرها، وما لم نذكره يقاس على ما ذكرناه، بحيث يفهم أن المؤمن لا بد أن يؤمن بصفات المولى تبارك وتعالى الذاتية الخبرية دون خوض في كيفيتها.

وإذا قلنا: إن الصفات نوعان: صفات ذات وصفات فعل، فقد ذكرنا من صفات الذات ما يغني عن تكراره، ويقاس عليه ما لم نذكر.

وأما صفات الفعل: فهي ما يتعلق بأفعال الله تبارك وتعالى، وأفعاله لا منتهى لها، لأنه يفعل ما يشاء في أي وقت شاء وفي أي مكان شاء؛ ولذلك عبر المولى تبارك وتعالى عن مشيئته المطلقة في كتابه الكريم فيما يتعلق بأفعاله، فقال سبحانه: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:١٦]، {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:١٨].

فأفعاله متعلقة بمشيئته وإرادته، والله تبارك وتعالى لا يسأل عما فعل، فلا يقال لأفعاله: لم فعل؟ ولا كيف فعل؟ لأنه يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل، بخلاف الخلق فإنهم يسألون عما يفعلون.

فأفعال الله عز وجل كالمجيء والإتيان والنزول والاستواء وغيرها من الأفعال تقول عنها: هذه صفة فعل لا صفة ذات، فاستواؤه تبارك وتعالى فعل، ومجيئه تبارك وتعالى يوم القيامة والملك صفاً صفاً فعل، ونزوله إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فعل، وغير ذلك مما يطلق عليه أفعال لا صفات ذات.

فإذا كنا تكلمنا عن بعض صفات الذات وقلنا بوجوب الإيمان بها وإمرارها كما جاءت دون الخوض في كيفيتها، ونثبتها لله تبارك وتعالى بلا تمثيل، وننزهه عن التشبيه بلا تعطيل؛ فكذلك نقول في أفعاله تبارك وتعالى.

فصفة الفعل التي نتعرض لها في هذه الليلة هي نزول المولى تبارك وتعالى، فقد ثبت أنه ينزل في ليلة عرفة، وثبت أنه ينزل ويدنو في النصف من شعبان، وليس هذا يعني أننا نخص ليله بقيام ونهاره بصيام، ولكن المولى تبارك وتعالى ينزل في ليلة النصف من شعبان؛ ليغفر لعباده الصالحين، وينزل تبارك وتعالى في كل ليلة من الليالي إذا بقي ثلث الليل الآخر، فينادي في عباده: (أنا الملك.

هل من داع فأجيبه؟ هل من مريض فأعافيه؟ هل من مستغيث فأغيثه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ حتى يطلع الفجر) أي: حتى يظهر الصبح.

ينادي المولى تبارك وتعالى ويتودد ويتحنن إلى عباده في هذا الوقت، وهو وقت إجابة الدعوة كما أجمع على ذلك أهل العلم، لكن القضية الآن: هل نزول الله تبارك وتعالى ثابت أم لا؟ والسؤال الثاني: إذا كان ثابتاً بالأدلة فكيف ينزل؟