[وجوب الإيمان بأحاديث الشفاعة وإمرارها كما جاءت]
قال: [قال حنبل: قلت لـ أبي عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل -: ما يروى عن النبي عليه الصلاة والسلام في الشفاعة؟ قال أحمد بن حنبل: هذه أحاديث صحاح، نؤمن بها ونقر -لأنه إذا صح الحديث لابد من الإيمان به والعمل- قال: وكل ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام بأسانيد جيدة -يعني: حسنة- نؤمن بها ونقر -أي: ليس الشفاعة فحسب، بل كل ما ثبت في سنة النبي عليه الصلاة والسلام- قال حنبل: قلت له: وقوم يخرجون من النار؟ -يعني: حتى من دخل النار يخرج منها؟ - قال: نعم.
إذا لم نقر بما جاء به الرسول ودفعناه -أي: ورددناه- رددنا على الله أمره، والله عز وجل يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧].
قلت: والشفاعة؟ قال: كم حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة والحوض -يريد أن يقول له: هذه أحاديث كثيرة ليست واردة في أسانيد جيدة فحسب، بل صحيحة قد بلغت حد التواتر والزيادة في الشفاعة والحوض- فهؤلاء يكذبون بها ويتكلون -أي: على رحمة الله عز وجل- وهي قول صنف من الخوارج، وإن الله تعالى لا يخرج أحداً من النار بعد إذ أدخله، والحمد لله الذي عدل عنا ما ابتلاهم به].
يعني: قول الخوارج: أن من دخل النار لا يخرج منها، أما قولنا نحن فإننا نقول: بأن من دخل النار من عصاة الموحدين لا محالة سيخرج منها، إما بتوحيده، وإما بإيمانه، وإما بشفاعة الملائكة، أو بشفاعة النبيين، أو بشفاعة المؤمنين أو بشفاعة الأطفال البرآء قبل البلوغ، وقبل أن يجري عليهم القلم ويبلغوا الحلم، فإذا انتهى هؤلاء من شفاعتهم لم يبق إلا شفاعة أرحم الراحمين، وهؤلاء الذين يسمون بعتقاء الرحمن أو بالجهنميين.
وشفاعة الله عز وجل تفضل على عباده الموحدين العصاة بأن يخرجهم من النار.
والشفاعة تستلزم مشفوعاً ومشفوعاً عنده ومشفوعاً فيه.
هذه أركان الشفاعة، فأما شفاعة الملائكة فالشافع هو الملك، والمشفوع عنده هو الله عز وجل، والمشفوع فيه هو المذنب.
أما شفاعة رب العالمين فهي من أفعال الله عز وجل، وليس لأفعال الله مثيل ولا شبيه، فهذا الذي تعودناه وعرفناه يقيناً من خلال توحيد الله عز وجل في أسمائه وصفاته وأفعاله، فالله تعالى يشفع عند نفسه بأن يخرج من بقي من عباده الموحدين بشفاعته سبحانه وتعالى.
أي: يتمنن على عباده الموحدين بأنه يخرجهم من النار، فيقال: هؤلاء عتقاء الرحمن.
وقال علي بن المديني: [الإيمان والتصديق بالشفاعة وبأقوام يخرجون من النار بعدما احترقوا وصاروا فحماً نقول به كما جاء الأثر والتصديق به والتسليم].