للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حديث: (أن لله وجهاً لو كشف عنه الحجاب لأحرقت سبحات وجهه كل شيء)

قال: [عن أبي موسى: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربع كلمات: -يعني: قال أربع كلمات- فقال: إن الله لا ينام، ولا يبنغي له أن ينام)].

لأن النوم صفة نقص وهي تليق بالمخلوق لا تليق بالخالق، ولا يصح في الأذهان أن نقول: فماذا يحدث لو أنه نام لأن هذا طرح فاسد وباطل؛ إذ ذلك يستحيل في حق الله تبارك وتعالى؛ لأنه نقص، والنقص عليه محال، والنقص ثابت في حقنا، فالله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام.

قال: [(ويخفض القسط ويرفعه)] وهذه الثانية.

والقسط: هو الميزان.

ويرفعه.

أي: يجعل الميزان العام الذي توزن به أعمال العباد يوم القيامة تارة عليهم وتارة لهم.

يفعل ما يشاء: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣].

قال: [(ويرفع إليه عمل الليل قبل النهار)].

يرفع إليه عمل الليل في وقت الفجر قبل أن تطلع الشمس، ويرفع إليه عمل النهار قبيل المغرب، أو في صلاة المغرب.

وقيل: في صلاة العصر.

والراجح: قبل دخول الليل.

قال: [(يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل)].

وقوله: (يرفع إليه) يدل على أن الله تبارك وتعالى في السماء؛ لأن الرفع لا يكون إلا إلى جهة العلو والفوقية.

ثم قال: [(حجابه النار أو النور)] أي: أن الله عز وجل جعل بينه وبين خلقه حجاباً، هذا الحجاب من نار أو من نور، على اختلاف في الروايات وكلاهما ثابت للمولى عز وجل.

قال: [(حجابه النار -أو النور- لو كشفه -أي: لو كشف هذا الحجاب- لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره أو ما انتهى إليه بصره من خلقه)].

يعني: لو أن الله عز وجل كشف هذا الحجاب بينه وبين خلقه في الدنيا لأحرق جميع المخلوقين؛ لأنهم لا يقوون على رؤية المولى تبارك وتعالى، ولو كانوا يقوون على ذلك لكان أولاهم بهذه القوة موسى عليه السلام، فقد طلب موسى أن يرى الله تبارك وتعالى جهرة؛ لأن اليهود طلبوا منه ذلك، {فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء:١٥٣]، فموسى حاك في نفسه ذلك فطلب من ربه أن يراه، ولكن الله عز وجل أخبره بعجزه ونقصه البشري وأنه لا يقوى على ذلك، وكذلك الخلق أجمعون، لو أن الله عز وجل كشف الحجاب الذي بينه وبينهم لاحترقوا جميعاً؛ لأنهم لا يقوون على هذا إلا بإذن الله تبارك وتعالى في دار الآخرة لا في دار الدنيا؛ ولذلك فإن الصحابة رضي الله عنهم لما علموا يقيناً أنهم لا يقدرون على رؤية المولى عز وجل سألوا عن مدى وإمكانية رؤيتهم للمولى تبارك وتعالى في الآخرة.

قالوا: (يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟).

لأنهم علموا أنهم لا يستطيعون رؤيته في الدنيا.

قالوا: إذا كان موسى عجز عن ذلك، فهل نرى ربنا يوم القيامة؟ (قال النبي عليه الصلاة والسلام: أرأيتم القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ولا غمام، ورأيتم الشمس في رابعة النهار لا يحول بينكم وبينها غيم ولا غمام؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال: إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ليس دونه ضيم).

أي: أنكم لا تضامون، لا يحصل لكم ضيم ولا غيم ولا شك في رؤية المولى تبارك وتعالى في دار الآخرة، وأن الله تبارك وتعالى يحجب نفسه العلية وذاته العلية عن الكافرين، ويمكن المؤمنين من رؤيته تبارك وتعالى.

وهذا يثبت أن الرؤية مستحيلة في حق المخلوقات في الدنيا، وأنها ثابتة في الآخرة على خلاف ما ذهب إليه المعتزلة من أن الرؤية مستحيلة في الدنيا والآخرة، وهم بذلك كأنهم كذبوا القرآن الكريم.