[حكم قتل المسلم]
السؤال الثاني: هل يجوز قتل المسلم؟ نعم.
يجوز إذا أتى من الأعمال ما يستوجب قتله؛ ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه).
فالأصل في دم المسلم أنه حرام، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول كما في البخاري: (لا يزال الرجل في فسحة من دينه -يعني: في سعة من دينه- ما لم يصب دماً حراماً).
أي: ما لم يقتل نفساً بغير حقها.
وهذا يدل على أن المسلم إذا قتل نفساً بغير حقها ضاقت عليه الحلقة جداً، فلعله لا تقبل له توبة، ومذهب ابن عباس: أن من قتل مؤمناً متعمداً لا تقبل توبته قط.
هذا قول الله تعالى، ولكن قد ورد في الحديث أن: (دم المسلم لا يحل إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة).
فلو أن شخصاً خرج على الإمام بالشروط المذكورة آنفاً يقول: والله إمامتك هذه لا تعجبني وأنا خارج من طاعتك، ولن أتبعك.
فلا شك أن هذا الرجل لو قال هذه الكلمة له أحكام عظيمة جداً، فإن كان كلامه هذا لا صدى له عند عامة الأمة ولا خطورة في ذلك على كلمة المسلمين؛ وجلس هذا الخارج في بيته؛ فإنه لا شيء عليه، ولكن لو مات على هذا النحو فميتته جاهلية.
أما لو قال للإمام: والله أنا خارج عليك وما لي علاقة بك، وأنت إمامتك غير شرعية، وتبعه في ذلك أقوام وتحيزوا وتميزوا، وصاروا في مكان والأمة في مكان، وجب على الإمام أن يقاتلهم قتال من خرج عن الجماعة.
وأنت إذا نظرت إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قتاله لمن خرج عليه لعرفت ذلك، فإنه لما تميزوا وصاروا في مكان وعلي في مكان قاتلهم؛ لأنهم خرجوا عن الإمرة الشرعية لـ علي بن أبي طالب، فوجب عليه قتالهم؛ فقاتلهم، وفي الوقت نفسه لما سئل عنهم: هل هم كفار؟ قال: لا.
إنما هم من الكفر قد فروا، فقالوا له: فماذا هم إذاً؟ قال: هم إخواننا بالأمس بغوا علينا اليوم.
فسماهم بغاة ولم يسميهم كفاراً، ومع هذا قاتلهم فقتل منهم وقتلوا منه، والله تبارك وتعالى يقول: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا} [الحجرات:٩].
أي: هناك بغي وظلم وعدوان، ومع هذا لم يسلب المولى عز وجل عنها اسم الإيمان أو صفة الإيمان، فالطائفة قد تخرج على الإمام فتكون باغية مع إيمانها، ويجوز للإمام أن يقاتلهم وأن يريق دماءهم مع أنهم مؤمنون، فليس بلازم أن يقاتل الرجل لخروجه عن الملة، بل يقاتل وهو في داخل الملة إذا استوجب ذلك.