للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قول أبي الدرداء رضي الله عنه في إثبات القدر]

قال: [عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ذروة الإيمان أربع:] أربعة أشياء هي قمة الإيمان التي تدل على أن صاحبها قد حقق الإيمان الكامل في قلبه وجوارحه.

قال: [الصبر للحكم] والحكم هذا من أثقل الأشياء، فأنت إذا كانت لك الصولة والجولة وكان لك الحق في مسألة لطرت بها في الآفاق؛ لتثبت للناس أنك صاحب حق، ولو كنت مخطئاً تعلم ذلك من نفسك لخنست فلا تريد أن يعرف أحد عنك ذلك، ولو قضي عليك بالحق لكرهت ذلك، وتتمنى أن يخفى الحق أو يلتبس على الحكم فيحكم لك، مع أنك تعلم أنك مخطئ، والحُكم هو من خصائص الله عز وجل؛ ولذلك قال: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:٥٧] فليس الحكم إلا لله عز وجل.

ولذلك قال الشافعي عليه رحمة الله: من شرع فاستحسن فقد كفر.

لأن التشريع حق لله عز وجل، ولرسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز لأحد من الأمة بأسرها أن يشرع أو أن يأتي بشيء من عند نفسه بين يدي الله عز وجل، وإلا فإنه محاد لله ورسوله مضاد لشرعه، بل كافر بشرع الله عز وجل.

فالحكم لله عز وجل لا لأحد غيره، ولذلك لا يرضى به ولا يحقق مراد الله عز وجل في هذا الباب إلا رجل قد اكتمل إيمانه.

وأنتم تعلمون على الساحة العالمية في كثير من العصور المتأخرة أن الناس قبل أن يجلسوا على كراسيهم يظنون أنهم يحكمون بشرع الله، فإذا ما جلسوا على هذه الكراسي المزيفة حكموا بآرائهم وأهوائهم ووثائقهم كما حكم التتار بتلك الوثائق المخترعة، فالحكم ثقيل جداً ولا تقوى على حمله إلا قلوب قد امتلأت إيماناً.

ولذلك قال أبو الدرداء: [ذروة الإيمان أربع: الصبر للحكم، والرضا بالقدر].

وهناك فرق يا إخواني! بين من يصبر على القدر وبين من يرضى بالقدر.

يقول علماء التصوف: إن البلاء إذا نزل بالعبد فصبر عليه فعمله عمل صغار القوم، أما كبار القوم فإنهم يرضون به ويفرحون.

فحينما تمرض وتعلم أن هذا المرض هو من قدر الله عز وجل فتصبر على ذلك، فهذا بلا شك أجر عظيم جداً وإيمان بالقضاء والقدر، لكن أعلى من ذلك أنك ترضى وتفرح بما آتاك الله عز وجل، وابن تيمية عليه رحمة الله لما سجنوه علم أنهم ليس لهم سلطان إلا على البدن، وسلطانهم أيضاً مقيد بقدر الله عز وجل، فكان يقول: فماذا يفعل أعدائي بي؟ إن سجنوني فسجني خلوة، وإن نفوني فنفيي سياحة.

وهل هناك أفضل من الخلوة للذكر والتسبيح والتهليل وقراءة القرآن والصلاة وقيام الليل وغير ذلك؟ فالذي لا يستطيع أن يفعله في خارج السجن يفعله داخله، ولذلك فإن الذين هم بداخل السجون في نعيم نحن لسنا فيه، فنحن مشغولون بدنيانا، أما من كان بالداخل فهو أرق فؤاداً ممن كان بخارجه إلا من رحم الله عز وجل.

ولذلك حينما أغلقوا عليه باب السجن تلا آية تغيظ الكفار والمجرمين.

قال: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:١٣] أتظنون أنكم في سعة من أمركم، وفي حرية؟ بل أنتم والله المسجونون، وهذه حقيقة، فالواحد فيهم يمشي بحراسة وبمدرعات ومصفحات مدججة، ومع هذا لا يشعر بالأمان، وأنت بعد أن تصلي الفجر تخرج بأي لباس كان وتمشي بحرية تامة، فلا يستطيع أن يعمل مثل عملك هذا هؤلاء المجرمون؛ لأنهم يخافون.

قال: [والرضا بالقدر، والإخلاص في التوكل، والاستسلام للرب].

هذا هو الإيمان الكامل.