ثم تكلم علي بن المديني عليه رحمة الله عن مسائل كثيرة قد تكلمنا عنها، ولكنه تكلم عن مسائل وفصل فيها تفصيلاً قال:[وإذا رأيت الرجل يحب أبا هريرة ويدعو له، ويترحم عليه، فارجو خيره، واعلم أنه بريء من البدع].
ويكفي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(يا أبا هريرة! والله لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق).
انظروا إلى هذا الحديث! ففيه منقبةٌ عظيمة لـ أبي هريرة، فقد جعل النبي عليه الصلاة والسلام محبته رمزاً وآية وعلامة على إيمان صاحب ذلك الحب، فإن أبا هريرة قد أبغضه الكثير، وتكلموا عليه قديماً وحديثاً، وإنما حملهم على ذلك بغضهم وحقدهم على الإسلام وأهله.
أبو هريرة أعظم راوية في الإسلام، وهو الذي روى عن النبي عليه الصلاة والسلام جملة مستكثرة بلغت الآلاف المؤلفة، حتى قيل: إننا لو رددنا أحاديث أبي هريرة كان لزاماً علينا أن نرد نصف الدين أو ثلثاه.
واحد من الصحابة رضي الله عنهم يروي نصف الدين، فهل يتصور أن يطعن أحد في هذا الراوي؟ لأن الطعن لا يتوقف عند حد الطعن في شخص أبي هريرة، ولكن المقصود منه فقدان الثقة بـ أبي هريرة، فإن فقدنا الثقة فيه فلابد أن نفقد الثقة في روايته، وبالتالي: من طعن في أبي هريرة لابد وأن يكون منافقاً بشهادة النبي عليه الصلاة والسلام.
ثم الغرض من الطعن في أبي هريرة: رد دين الله عز وجل؛ لأنه لم يكن هناك عداوة شخصية بين الطاعن وبين أبي هريرة لأنه لم يره، ولم يعاصره ولم يجالسه، إنما أتى من بعده، وإنما الحقد على الدين، وهذا هو الذي حملهم على أن يطعنوا فيه بكل سبيل وطريق وحيلة، فما كان أمامهم إلا أن يطعنوا في أبي هريرة، وأنتم تعلمون أنه ما من ساقطة في الأرض إلا ولها لاقطة، فالذي طعن في أبي هريرة وجد له أنصاراً أخذوا عنه هذا الطعن، ومدرسة الاستشراق لما أتت إلى بلاد المسلمين وترجمت كتب العلم الشرعية علموا خطورة أبي هريرة، وعلموا أهمية أبي هريرة في دين الله عز وجل؛ لكثرة رواياته، ولتفرده برواية أحكام هي من الثبات واليقين عند المسلمين بمكان، فأرادوا أن يزعزوا الثقة في أبي هريرة، وتبعهم على ذلك كثير ممن انتسبوا إلى العلم، وانتسبوا إلى الأزهر كصاحب الحسين وأبي رية وغيرهم من المعاصرين الذين تبعوا أجيال المستشرقين ونهجوا نهجهم، وساروا خلفهم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع حتى دخلوا في جحر الضب وفي بؤرة النفاق والفساد والشك في دين الله عز وجل تبعاً لأسيادهم ولعلمائهم ومشايخهم من أهل الكفر والإلحاد والزندقة.
فهنا قال:[وإذا رأيت الرجل يحب أبا هريرة، ويدعو له، ويترحم عليه؛ فارجُ خيره، واعلم أنه بريء من البدع].
إذاً: لا يمكن أبداً لمحب أبي هريرة أن يكون من أهل البدع.