[الرد على من أول صفة الوجه بأدلة الكتاب والسنة]
بالاعتصام بالكتاب والسنة تنجو من أباطيل أهل البدع وشبههم، وهناك الكثير من الأدلة من الكتاب والسنة التي ترد على الجهمية وغيرهم من النفاة وتدحض شبههم، وتقمع باطلهم: قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:٨٨]، وقال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٧].
وجاء في صحيح البخاري -رحمه الله- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (لما نزلت هذه الآية: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام:٦٥] قال النبي عليه الصلاة والسلام: أعوذ بوجهك، فقال: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام:٦٥]، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أعوذ بوجهك، قال: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} [الأنعام:٦٥]، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: هذا أيسر)، وهذا الحديث نص صحيح صريح في إثبات الوجه لله تعالى، وهو من الصفات الذاتية الخبرية.
ومن الأدلة على إثبات صفة الوجه لله تعالى: ما رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور)، وفي رواية: (النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).
والجهمية تنكر هذا الحديث وما في معناه، فعموا وصموا، والأشاعرة تحرفه وتتأوله بتأويلات فاسدة، إما بتفسير الوجه بالذات؛ لتنفي صفة الوجه عن الله، وإما بغير ذلك من التأويلات الباطلة.
وهناك العديد من الأدلة الصحيحة المتلقاة بالقبول عند أهل العلم مما يثبت لله تعالى صفة الوجه، وهي تغيظ الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم من الطوائف الضالة، ففي البخاري ومسلم من طريق أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن).
فقوله: (على وجهه) فيه إثبات الوجه لله تعالى حقيقة، وأهل الباطل تأولوا هذا الحديث كما تأولوا غيره من الأحاديث الدالة على إثبات صفة الوجه لله تعالى، حتى قال القاضي عياض: فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم، أي: فمن آمن به على ظاهره وأثبت الوجه لله أفضى به ذلك إلى التجسيم، يعني: كأنه أراد أن يقول: إذا أثبت الوجه لله فلابد وأن تقول بأن الله تعالى جسم له أجزاء وأبعاض؛ لأن الوجه جزء من الجسم، وبعض من الكل.
والقاضي عياض كان إمام المتأولة، وكلامه هذا خطأ وغلط، فليس في إثبات الصفات لله تعالى تجسيم، فإن السلف يثبتون لله ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسوله محمد عليه الصلاة والسلام إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل.
والواجب على جميع الخلق: التسليم والانقياد لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدم ضرب الأمثال لله تعالى؛ فإنه من أعظم الضلال والإلحاد، والذي لا يفهم من صفات الخالق إلا ما يفهمه من صفات المخلوق هو المجسم المشبه.
والله المستعان.
ومن الأدلة كذلك على إثبات الوجه لله تعالى: ما رواه أبو داود عن حيوة بن شريح قال: لقيت عقبة بن مسلم فقلت له: بلغني أنك حدثت عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا دخل المسجد، قال: (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم.
قال: أقط؟ قلت: نعم، قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم).
فقوله: (وبوجهه الكريم) دليل على إثبات الوجه لله تعالى، وهو يرد على من زعم أن الوجه هو الذات، فقد استعاذ صلى الله عليه وسلم أولاً بالله العظيم، ثم استعاذ ثانياً بوجهه الكريم.
وهذه المغايرة للتباين بين الذات وبين الوجه، وإثبات أن الوجه صفة لتلك الذات، والعطف يدل على المغايرة.
والأحاديث والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في إثبات الوجه لله تعالى كثيرة، وقد أخرجها كثير من أهل العلم في كتبهم، متلقين لها بالقبول والتسليم، ولم ينكرها أحد منهم.
قال ابن خزيمة: فنحن وعلماؤنا جميعاً في جميع الأقطار نقول: إن لمعبودنا عز وجل وجهاً كما أعلمنا الله في محكم تنزيله.