الفارق السادس: أن المعجزة فيها شيء من التحدي، خلافاً للكرامة، فالولي لا يتحدى لأنه لا يزكي نفسه، والنبي تحدى قومه بالمعجزة دلالة على صدق نبوته ورسالته، وهذا للمصلحة العامة، ولمصلحة الخلق، كما أنه مأمور بأن يتحدى ولم يصدر عن نفسه أو هواه؛ لأن الأنبياء أبعد الناس عن الهوى، وألزم الناس للشرع، خلافاً للكرامة فإنه لا ينفع فيها التحدي، لأنها هبة من الله، قد يسلبها منك، ومنحة قد يأخذها، فهي حقه سبحانه وتعالى، فالمعجزة فيها نوع تحدي وهو دعوى وقوعها على وفق ما ادعاه الرسول، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال للأعرابي لما كذبه في نبوته ورسالته:(أرأيت لو أني قلت لهذه الشجرة وأمرتها أن تأتي أمامي هنا، ثم أمرتها أن تذهب إلى مكانها أكنت تؤمن أني نبي؟ قال: نعم) ففعل النبي عليه الصلاة والسلام ذلك.
ومرة قال لأصحابه:(أجمعوا خبزكم وطعامكم) وهو يسير وقليل لو جمعوه ربما لا يكفي واحداً منهم أو اثنين، (فلما جمعوه برك عليه النبي عليه الصلاة والسلام -أي: دعا فيه بالبركة- فأكلوا جميعاً، وشبعوا وملئوا مزاداتهم).
(ولما جيء بإناء فيه ماء، وضع النبي يده في الماء فصار الماء يفور من بين أصابعه) فلا أحد يستطيع أن يعملها، ولو تحدى بها النبي لكان محقاً في تحديه؛ لأنها معجزة مادية أتى بها عليه الصلاة والسلام، والمعجزات المادية للنبي عليه الصلاة والسلام لا نهاية لها، فقد جمعها بعض العلماء في مجلدات، ولا تزال هذه المجلدات تفتقر إلى بعض المعجزات.