للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اعتقاد الإمام البخاري]

أما اعتقاد الإمام البخاري عليه رحمة الله فإنه كثير جداً، ولذلك قال: [لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم من أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومضر، لقيتهم كرات قرناً بعد قرن، ثم قرناً بعد قرن]، وكرات يعني مرات أي: التقى بالواحد منهم مرات متعددة، وقد بلغ عدد شيوخ البخاري أكثر من ألف.

قال: [فلقيت بالشام] أي: فلان، ومضر فلان، ومكة فلان، والمدينة فلان وعدد أقواماً.

ثم قال: [واكتفينا بتسمية هؤلاء كي يكون مختصراً، وأن لا يطول ذلك، فما رأيت واحداً منهم يختلف في هذه الأشياء: أن الدين قول وعمل].

فإذا نطق بالشهادتين ولم يعمل بمقتضى هاتين الشهادتين يكون في الغالب، أو في أرجح أقوال أهل العلم: كافراً بهذه الكلمة.

[أن الدين قول وعمل، وذلك لقول الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:٥]].

فبعد أن وحدوا الله تبارك وتعالى -أي: نطقوا بشهادة التوحيد- لابد وأن يأتوا بالأعمال، وذكر الله تبارك وتعالى من الأعمال عملان هما: الصلاة والزكاة لأهميتهما.

ولا يعني ذلك: أن من أراد أن يتخلف عن الحج أو يجحده فلا حرج عليه، بل إنما ذكر الله تبارك وتعالى أهم فرضين ليدل على الباقي.

قال: [وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، لقوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} [الأعراف:٥٤].

قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل: قال ابن عيينة: فبين الله الخلق من الأمر]، يعني: فرق بين الخلق وبين الأمر.

[لقوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:٥٤]].

قال: [وما رأيت فيهم أحداً يتناول أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم].

يعني: ما رأيت أحداً من هؤلاء العلماء الذين بلغوا ألفاً من أهل العلم ومن أئمة السلف يتعرض لأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.

[قالت عائشة: أمروا أن يستغفروا لهم، وذلك في قوله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠]].

أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم ولعنوهم، خاصة الخوارج والشيعة والمعتزلة فهم الذين نالوا من الصحابة كثيراً.

قال: [وكانوا ينهون عن البدع]، أي: هؤلاء الألف.

والبدع [هي ما لم يكن عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه، لقوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:١٠٣].

ولقوله: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:٥٤].

ويحثون على ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأتباعه، لقول الله عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:١٥٣].

وأن لا ننازع الأمر أهله -وأن لا ننازع أصحاب السلطان سلطانهم- لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم)].

أي: ذلك المسلم صاحب القلب الطيب النظيف النقي إذا اتصف بهذه الصفات.

وهي: [إخلاص العمل لله عز وجل، وطاعة ولاة الأمر، ولزوم جماعتهم.

فإن دعوتهم تحيط من وراءهم].

الذي يتصف بهذه الصفات، لا يكون في قلبه غل ولا حسد ولا حقد على أحد من المسلمين.

قال: [ثم أكد ذلك في قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩].

وأن لا يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم].

يعني: أن لا يرى جواز الخروج بالسيف على أمة النبي عليه الصلاة والسلام، كما خرجت الخوارج ومن بعدهم خرجوا الشيعة.

قال: [وقال الفضيل: لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام؛ لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد.

قال ابن المبارك: يا معلم الخير من يجترئ على هذا غيرك!] يعني: من يفهم هذا الكلام غيرك؟!