للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقوال السلف في ذم البدعة في الدين]

قال: [قال سفيان الثوري: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية].

فتصور وقوعك أنت في البدعة أحب إلى إبليس من الزنا والقتل وشرب الخمر، لذا فالواحد لما يقع في معصية أو في كبيرة من الكبائر يعرف أنه آثم ومذنب، ويحتاج إلى توبة وتطهير، لكن صاحب البدعة يتقرب بها إلى الله، وصاحب المعصية لا يقصد بها التقرب إلى الله عز وجل، بل قد يقول صاحب المعصية: أنا أستحق الحد، بينما صاحب البدعة يعتبر أنها الحق الذي يقربه إلى ربه.

إذاً: صاحب البدعة في نظره أنه لا يحتاج إلى توبة، بينما صاحب المعصية يعلم أنه في أمس الحاجة إلى التوبة، وأنه على معصية، بخلاف صاحب البدعة، ومن هنا: كانت البدعة أحب إلى الشيطان وإلى إبليس من المعصية.

قال: [قال ثابت بن العزان: أدركت أنس بن مالك وابن المسيب، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وعطاء بن أبي رباح، وطاوس، ومجاهد، وابن أبي مليكة، والزهري ومكحول، والقاسم وعد ناساً كثيراً فقال: كلهم يأمرونني بالجماعة وينهوني عن أصحاب الأهواء.

قال بقية: ثم بكى، وقال: أي بني! ما من عمل أرجأ ولا أوثق من مشي إلى هذا المسجد.

يعني: مسجد الباب].

قال: [كان الحسن البصري يقول: لا تجالسوا أهل الهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم].

وقد [دخل رجلان من أهل الأهواء على محمد بن سيرين، فقالا: يا أبا بكر نحدثك بحديث واحد؟ فقال لا.

قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله؟ قال: ولا آية].

أي: أن ابن سيرين يخاف على أصحابه من أهل البدع، وإلا فكلام أهل البدع مع ابن سيرين ليس بمشكلة، وإنما المشكلة في موقف أصحاب ابن سيرين، هل سينكرون عليه أم لا؟ وإذا أنكروا فهل هم محقون في هذا الإنكار أم لا؟ قالا: فماذا نصنع معك؟ قال: تقومان عني ويلكم! أي: إما أن تنصرفوا عني وإما تركتكم وانصرفت أنا، فقام الرجلان فخرجا، فقال بعض القوم من أصحاب ابن سيرين: ما كان عليك أن يقرأ عليك آية؟ أي: ما هو الذي يضرك إذا قرأ عليك آية من آيات الله عز وجل؟ قال: إني كرهت أن يقرآ آية فيحرفانها فيقر ذلك في قلبي.

فتأمل ابن سيرين وخوفه على نفسه وقلبه! قال: [عن أبي قلابة البصري قال: لا تجالسوهم ولا تخالطوهم؛ فإني لا آمن عليكم أن يغمسوكم في ضلالتهم، ويلبسوا عليكم كثيراً مما تعرفون فتهلكوا].

قال: [عن أيوب السختياني قال: قال لي أبو قلابة: يا أيوب، احفظ عني أربع وصايا: لا تقولن في القرآن برأيك، وإياك والقدر، وإذا ذكر أصحاب محمد فأمسك -أي: لا تتكلم في واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالخير، ولا تمكن أصحاب الأهواء من سمعك].

أي: لا تسمع لهم ولا كلمة؛ لأنك لو سمعت هلكت.

قال: [عن أبي قلابة قال: ما ابتدع قوم بدعة إلا استحلوا السيف].

فهم بين نقمتين: النقمة الأولى: الانحراف عن المنهج العقائدي.

النقمة الثانية: أنهم يتصورون أن عقيدتهم هي الحق، فتحملهم هذه العقيدة الباطلة على الخروج بالسيف، والذين خرجوا على علي بن أبي طالب قد خالفوا الطريق، فخرجوا أولاً في أصل معتقدهم بتكفير المسلم بالكبيرة، ثم شهروا السيف في وجهه.

إذاً: فكل صاحب بدعة لابد وأن تؤدي به بدعته في نهاية الأمر إلى الخروج على الأمراء وأهل العلم بالسيف.

فهذا ابن طاوس مر على رجل من المعتزلة يتكلم [فأدخل ابن طاوس أصبعيه في أذنيه وقال لابنه: أي بني أدخل أصبعيك في أذنيك واشدد حتى لا تسمع من كلامه شيئاً].

لأن القلب ضعيف، مع أن هؤلاء أئمة، ومع هذا خافوا على أنفسهم وعلى أبنائهم، وعلى عامة المسلمين، ونحن أولى بذلك منهم.

قال: [عن جعفر بن برقان أن عمر بن عبد العزيز قال لرجل وقد سأله عن الأهواء: عليك بدين الصبي الذي في الكتاب، والأعرابي، واله عما سواهما].

أي: دعك من الأشياء الأخرى، وعليك بدين الصبي الصغير الذي خلقه ربنا على الفطرة والإسلام والتوحيد الخالص قبل التلوث، وقبل الوسخ والدخن، وعليك بدين الأعرابي الذي رضع في البادية ولم يتلوث بلوث المدينة.

قال: [قال عمر بن عبد العزيز: إذا رأيت قوماً يتناجون في دينهم بشيء دون العامة، فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة].

أي: إذا رأيت قوماً يقولون كلاماً غريباً ليس بمفهوم ولا معقول، فاعرف أن هؤلاء في أول بدعتهم وضلالتهم.

أي: أن مآلهم أن يظهروا.

قال: [عن محمد بن النضر الحارثي قال: من أصغى سمعه إلى صاحب بدع