[تلون بعض أهل الإسلام اليوم في عقائدهم ومقارنته بثبات أهل الجاهلية على ضلالهم]
والناس في هذا الزمان يتلونون في كل لحظة عدة ألوان، وأما في السابق فقد كان الرجل عند كلمته، إذا قال: نصلي يذعن، وإذا كان تركه للصلاة عن اعتقاد وردة فإنه لا يرجع إلى الإسلام وإن كان في ذلك قتله، ونحن نعلم أن دخول الإسلام بكلمة، واليوم لو قابلت نصرانياً أو يهودياً في الشارع وقلت له: قل: لا إله إلا الله فإنه يقولها أمامك مائة مرة، بل ويشرحها لك ويبين شروطها وواجباتها وأركانها، وهو مع هذا باق على يهوديته ونصرانيته وكفره.
وقد كان أبو سفيان يستطيع أن يقولها قبل أن ينشرح صدره للإسلام، ولكنه لم يرض بهذا، وكانت الحروب الضارية التي قامت بين معسكر الإيمان والكفر في زمن النبوة بسبب هذه الكلمة، وكان الواحد يتعرض لبريق السيف على أم رأسه، ومع هذا كان يفضل أن يقتل ولا يرجع عن دينه، وكان بإمكان أبي طالب أن يقولها، ولكنه كان رجلاً قومياً شديداً، فلما قال له النبي صلى الله عليه وسلم وهو في حالة الاحتضار:(قل كلمة أشهد لك بها عند ربي)، قال: أتريد أن تقول العرب: إن أبا طالب صبأ عن دين قومه وأجداده؟ فالشاهد من ذلك: أن الشخص منهم كان بإمكانه على الأقل في وقت الضيق أن يقولها، ولكنه كان رجلاً مع أنه مشرك.
وأبو سفيان يقول بعدما سأله هرقل عن النبي عليه الصلاة والسلام: لولا أن تعدها العرب علي كذبة لكذبت، ومع أن الشرك أعظم من الكذب، إلا أنه لما اتخذ الشرك والكفر وعبادة الأصنام والأوثان ديناً، وصار هذا عاماً في أهل ذلك الزمان صار الشرك أعظم من الكذب؛ إلا أنه مألوف، ولكن الكذب لم يكن مألوف، ولذلك خشي أبو سفيان أن تعيره العرب بأنه كذب، فلم يكذب، وكان كلما سأله هرقل عن النبي عليه الصلاة والسلام سؤالاً أجاب إجابة على الحقيقة، ليس فيها خداع، ولما سأله هرقل: هل يغدر؟ قال: لا، ولكنا منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها.
وقد كان المشركون في ذلك الوقت في هدنة بينهم وبين النبي عليه الصلاة والسلام، فلما سأله هرقل: هل يغدر محمد؟ قال له: لا يغدر، ولكن بيننا وبينه في هذا الوقت عهد لا نزال فيه، فيمكن أن يغدر ويمكن ألا يغدر.
قال أبو سفيان: وما استطعت أن أدخل إلا بهذه الكلمة، يعني: أنه كان يريد أن ينتقص النبي صلى الله عليه وسلم بأي شيء ولكنه يخاف من الكذب، عن الذي مضى.
اليوم قد تأتي إلى الشخص وتدعوه إلى الصلاة فيقول: نعم سأصلي فالصلاة هذه أفضل شيء، فالواحد يخرج من الصلاة مرتاحاً وقلبه منور، فإذا سألته: إذا كنت تعلم بهذه الفوائد كلها عن الصلاة والتي لا نعرفها نحن ونحن نصلي فلماذا لا تصلي؟ فيقول لك: يمنعني صاحب العمل وصاحب الشركة، وهل يمنعه صاحب الشركة عن الصلاة في يوم الجمعة وهو في البيت؟ فكل هذا كذب ودجل، ويدل على فساد قلب ذلك المتكلم.
قال معدان بن أبي طلحة: قلت لـ ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا حديثاً ينفعنا الله به فسكت، فقلت: حدثنا حديثاً ينفعنا الله به قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك).