للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مرتبة العلم]

فالخير قد أذن الله تعالى في وجوده وفي خلقه، ورضيه وأحبه، والشر أذن الله تعالى في وجوده وخلقه، ولكنه لم يرضه ولم يحبه.

وقد جاءت آيات في كتاب الله وأحاديث في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم لها تعلق بإثبات القدر، ونقل إجماع الصحابة والتابعين والخالفين لهم من علماء الأمة أن أفعال العباد كلها مخلوقة لله عز وجل طاعاتها ومعاصيها، فكل فعل يصدر عن العبد فإن الله تعالى هو الذي أذن بوجوده وخلقه، سواء كان هذا الفعل معصية أو طاعة؛ لأن المعصية لا يمكن أن يوجدها فاعلها دون إذن الله تبارك وتعالى، بمعنى: أنه لا يكون في الكون إلا ما أراد الله عز وجل، فكيف يتصور أن الزاني يزني والله لم يأذن له في ذلك؟ فلا يتصور وجود من خير أو شر في الكون إلا والله تعالى قد أذن فيه، ومعنى أذن فيه: أنه وقع بعلم الله، وأن الله تعالى أراده، ولكنها إرادة كونية قدرية مبناها على ما أحب وكره، بخلاف الإرادة الشرعية فإن مبناها المحبة والرضا، فإذا صليت وصمت وزكيت وحججت إلى بيت الله الحرام، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر؛ فإن هذه الأفعال كلها مخلوقة لله عز وجل، وقد أذن فيها، بل وأمر بإتيانها وأحبها؛ ولذلك فرضها، وهذه الأفعال تقع تحت مشيئة الله الشرعية؛ لأنها متعلقة بالأمر الذي أحبه الله تعالى لعباده ورضيه لهم.

وأما أفعال الشر من الزنا والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك من أنواع المعاصي كبائرها وصغائرها؛ فإن هذه المعاصي كرهها الله عز وجل، ونهى عنها، ورتب عليها في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم العقوبة الشديدة لمن اقترفها، ولكن العبد يأتيها بعلم الله، فقد علم سبحانه قبل أن يخلق السموات والأرض أن من عباده فلاناً سيزني في يوم كذا، في الساعة كذا، في المكان كذا، وأنه سبحانه كتب ذلك قبل أن يخلق السموات والأرض.

فالمرتبة الأولى: هي مرتبة العلم، فالله تعالى يعلم ما سيقع من عباده، إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر.