قال: [وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: خطب عمر رضي الله عنه الناس بالجابية وهي قرية بالشام فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في مثل مقامي هذا، أي: صعد المنبر فخطب الناس ووعظهم فكان فيما قال: (من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن).
من سرته حسنته أي: من فرح بطاعته واغتم لذنبه، فهذا علامة إيمانه.
وعن عامر الشعبي قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال له: أخبرني ما حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عبد الله: سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)].
المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، مع أن تعريف الإسلام غير ذلك، لكن النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يعالج أمراً عند السائل قال:(المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) وذكر اللسان واليد على جهة الخصوص؛ لأن معظم الأذى إنما يقع بهما ومنهما، معظم الأذى يقع باليد التي تبطش وباللسان الذي ينم ويغتاب ويعير وغير ذلك فمن حفظ لسانه ويده فقد حقق كمال الإسلام الذي هو الاستسلام والخضوع لله عز وجل.
والمهاجر عند الإطلاق يعني الذي يهاجر من بلاد الكفر إلى بلاد الإيمان، وأصل الهجرة كانت من مكة إلى المدينة، وهذه الهجرة منسوخة إلى يوم القيامة؛ لأن مكة دار إيمان إلى قيام الساعة، أما النبي عليه الصلاة والسلام فإنه عرف المهاجر هنا بالتعريف العام للهجرة لا التعريف الخاص، فقال:(المهاجر من هجر ما نهى الله عنه)، وفي رواية قال:(المهاجر من هجر المعاصي) والمعنى واحد.