[شرح الأحاديث في وصف الجنة والنار واختصامهما إلى ربهما]
قال: [وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اختصمت الجنة والنار -أي: تحاجت الجنة والنار- فقالت النار: يدخلني الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: يدخلني ضعفاء الناس وسقاطهم، فقال الله عز وجل للنار: أنتِ عذابي أصيب بكِ من أشاء، وقال للجنة: أنتِ رحمتي أصيب بكِ من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها -يعني: علي أن أملأ كل واحدة منكما- فإذا كان يوم القيامة لم يظلم الله عز وجل أحداً من خلقه شيئاً، ويلقي في النار فتقول: هل من مزيد، حتى يضع الله عز وجل قدمه فهناك تملأ وينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط)] أي: كفى، كفى.
وفي هذا إثبات أن لله تبارك وتعالى قدماً، وقد بينا قبل ذلك إثبات الساق لله عز وجل، وأن الساق أو القدم لله عز وجل ثابتة حقيقة بغير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه، فهي ثابتة لله عز وجل كصفة من صفات ذاته، ولا تنفك عنه على المعنى اللائق بالله عز وجل، ليست كأقدام المخلوقين ولا كسوق المخلوقين.
قال: [وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (احتجت الجنة والنار، فقالت النار: في الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: في ضعفاء الناس ومساكينهم.
قال: فقضى بينهما، إنكِ الجنة رحمتي أرحم بكِ من أشاء، وإنكِ النار عذابي أعذب بكِ من أشاء، ولكليكما علي ملؤها).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب! أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، وهو أشد ما تجدون من الزمهرير)]، يعني: إذا رأينا حراً شديداً جداً لا يطاق فلنعرف أن هذا هو نفس النار في الصيف، وإذا رأينا برداً شديداً لا يكاد يحتمل فلنعلم أن هذا هو النفس الثاني للنار في الشتاء.
قال: [وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أبردوا بالصلاة -أي: انتظروا بصلاة الظهر حتى يبرد الجو- فإن شدة الحر من فيح جهنم)] أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالإبراد بالصلاة في شدة الحر؛ لأن شدة الحر من فيح جهنم، فلا يخرج أحدنا للصلاة فيصيبه لفح فيح جهنم ونارها وحرها وسمومها، فمن رحمة الله عز وجل ومن إشفاق النبي عليه الصلاة والسلام بهذه الأمة أن أذن لنا في الإبراد.
وفي كتاب الطب النبوي:(الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء).
قال: [وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن شدة الحر من فيح جهنم، فأبردوها بالماء)].
والشاهد من هذه الأحاديث كلها: إثبات أن الله تعالى خلق الجنة والنار، وأنهما موجودتان الآن، فقوله عليه الصلاة والسلام:(إن شدة الحر من فيح جهنم فأبردوها بالماء) لا يمكن أن يكون هذا الحر الشديد من فيح جهنم وهي لم تخلق بعد.