للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوله تعالى: (وأضله الله على علم)]

وفي قوله: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:٢٣] في تفسير ابن عباس في قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:٢٣] يقول: [أضله الله في سابق علمه].

فهذا ليس متبعاً للكتاب والسنة، وإنما متبع لهواه، كل ما يمليه عليه هواه فهو دينه يتبعه كأنه شرع منزل من السماء، والله تعالى ينكر على صاحب الهوى أنه قد اتخذ إلهه هواه، مع أن الإله واحد والرب واحد تبارك وتعالى، فكيف يترك العبد هذا الوحي من الكتاب والسنة، ويحل محلهما هواه ومزاجه وذوقه ووجده؟! فقال الله عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ} [الجاثية:٢٣] أي: يا محمد، {مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْم} [الجاثية:٢٣] إذاً: الضلال أتى بعد اتخاذ العبد إلهه هواه وليس في ذلك من ظلم، فالله تعالى جعل لك العقل لتميز به الحسن من القبيح، بل ربط الحسن والقبح بالكتاب والسنة.

أي: بالوحي.

فالحسن هو ما حسنه الله عز وجل ورسوله، والقبيح: هو ما قبحه الله عز وجل ورسوله، ولم يجعل للعقل في التمييز بين هذا وذاك مجالاً إلا مجالاً أذن الله تعالى فيه، فهنا نقول: إن الله عز وجل جعل لك العقل، وألزمك بالوحي، وأرسل إليك الرسل، وأنزل عليهم الكتب، كل ذلك لأجلك أنت.

فإذا كان الأمر كذلك وأنت استغنيت عن هذا كله وذهبت تتخذ إلهاً من دون الله عز وجل وهو الهوى، فلابد وأن الله تعالى قد علم أنك ستعرض عن الوحي وعن الخير وعن الهدى، وتختار هواك إلهاً من دون الله عز وجل فكتبه عليك؛ لأنه علم ذلك منك أزلاً، فيكون معنى قوله تبارك وتعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:٢٣].

أي: سبق في علم الله أن هذا العبد سيضل ويترك الوحي ويتخذ إلهه هواه من دون الله، فلما علم الله ذلك منه أزلاً كتبه عليه.