[مقالات بشر المريسي وموقف أهل العلم منه]
قال: [وقال محمد بن عمر بن كميت: سمعت وكيعاً يقول: وصف داود الجواربي الرب عز وجل فكفر في صفته، فرد عليه المريسي فكفر المريسي في رده] بشر المريسي] أي: رد على داود الجواربي فقال: أنت قد مثلت الله عز وجل بصفات المخلوقين، فأنت مبتدع، فهذا رأس في بدعته يرد على مبتدع آخر رأس في بدعته.
قال: [فقال وكيع: داود الجواربي وصف الرب فكفر بهذه الصفة، فرد عليه بشر المريسي فكفر بشر برده كذلك، إذ قال: هو في كل شيء].
وبشر المريسي له كلام خطير جداً، فقد قال البغدادي في كتاب الفرق بين الفرق لما ذكر المريسية أتباع بشر المريسي في فرق المرجئة قال: هؤلاء هم مرجئة بغداد من أتباع بشر المريسي، وبشر هو ابن غياث المريسي مبتدع ضال تفقه في أول أمره على قاضي القضاة أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، وأتقن علم الكلام، ثم جرد القول بخلق القرآن - يعني: قال: القرآن مخلوق - وناظر عليه، ولم يدرك الجهم بن صفوان ولكنه أخذ مقالته، واحتج لها ودعا إليها، وأخذ في أيام دولة الرشيد وأوذي لأجل مقالته.
وحدث البويطي قال: سمعت الشافعي يقول: ناظرت المريسي في القرعة فذكرت له فيها حديث عمران بن حصين، فقال: هذا قمار، فأتيت أبا البختري القاضي فحكيت له ذلك، فقال: يا أبا عبد الله! شاهد آخر وأصلبه.
يعني: أحضر معك شاهداً ثانياً وأنا سأصلبه، فهو يقول عن القرعة: إنها قمار، وقد فعلها النبي عليه الصلاة والسلام، غير أنه لما أظهر قوله بخلق القرآن هجره أبو يوسف -وهو صاحب أبي حنيفة وكان رجلاً سنياً في المعتقد- وضللته الصفاتية -يعني: الذين يقولون بإثبات الصفات لله عز وجل ضللوه- ولما وافق الصفاتية في القول بأن الله تعالى خالق أجسام العباد، وفي أن الاستطاعة مع الفعل؛ كفرته المعتزلة.
يعني: كفرته المعتزلة؛ لأنهم لا يقولون بذلك.
فصار مهجور الصفاتية والمعتزلة معاً، وكان يقول في الإيمان: إنه هو التصديق بالقلب واللسان جميعاً.
يعني: أن العمل لا علاقة له بالإيمان، وهذا قول المرجئة، كما قال ابن الراوندي: إن الكفر هو الجحد والإنكار.
يعني: لا يكفر المرء إلا إذا جحد وأنكر بلسانه.
وزعم أن السجود للصنم ليس بكفر، ولكنه دلالة على الكفر.
والخطيب البغدادي أدرى بأهل بلده، فقال في كتابه تاريخ بغداد عن بشر المريسي -وقد ذكر له ترجمة طويلة-: أخذ الفقه عن أبي يوسف القاضي إلا أنه اشتغل بالكلام، وجرد القول بخلق القرآن، وحكيت عنه أقوال شنيعة ومذاهب مستنكرة أساء أهل العلم قولهم فيه بسببها، وكفره أكثرهم لأجلها، وقد أسند من الحديث شيئاً يسيراً -يعني: كان مقلاً في الرواية- عن حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة وأبي يوسف القاضي وغيرهم.
(وقال عباد بن العوام: كلمت بشراً المريسي وأصحاب بشر فرأيت آخر كلامهم أنه ينتهي إلى أن يقولوا: ليس في السماء شيء) يعني: ليس في السماء إله.
(وعن عمر بن عثمان قال: كنت عند أبي فاستأذن عليه بشر المريسي فقلت: يا أبت! يدخل عليك مثل هذا؟ فقال: يا بني! وما له؟) يعني: ماذا فيه؟ وماذا يقول هذا الرجل؟ قال: قلت: إنه يقول: القرآن مخلوق، وإن الله معه في الأرض -أي: بذاته- وإن الجنة والنار لم يخلقا، وإن منكراً ونكيراً باطلان، وإن الصراط باطل، وإن الساعة باطل -يعني: هو لا يؤمن بالبعث- وإن الميزان باطل مع كلام كثير ذكره.
قال: فقال: أدخله علي.
أي: أدخله علي لأرى ما هي حكايته.
قال: فأدخلته عليه، قال: فقال: يا بشر! أدنه.
أي: اقترب مني.
ويلك يا بشر، أدنه مرتين أو ثلاثاً.
وبشر خائف؛ لأن أهل السنة لهم هيبة ووقار وخشية في قلوب العباد خاصة المبتدعين الضلال.
(فلم يزل يدنيه حتى قرب منه، فقال: ويلك يا بشر من تعبد؟ وأين ربك؟ قال: وما ذاك يا أبا الحسن؟) أي: لماذا تسألني هذه الأسئلة؟.
(قال: أخبرت عنك أنك تقول: القرآن مخلوق، وأن الله معك في الأرض، ولم أر شيئاً أشد علي من قولك: إن القرآن مخلوق، وإن الله معك في الأرض، فقال له: يا أبا الحسن! لم أجئ لهذا) يعني: أنا لم أجئ من أجل أن تختبرني.
(إنما جئت في كتاب خالد تقرؤه علي).
يعني: أتيت لأطلب الحديث.
(قال: فقال له: لا؛ ولا كرامة)، وكان مذهب أهل السنة