إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
لا زال الكلام موصولاً عن القدر، والقدر هو سر الله تعالى في الكون، وحكمته من خلق الخلق، ومراتب القدر أربع قد تكلمنا عنها، وقلنا: إن أول مرتبة هي مرتبة العلم.
أي: أن الله تبارك وتعالى علم أزلاً ما العباد عاملون، وما هم إليه صائرون، فلما كان ذلك كتبه الله تبارك وتعالى في اللوح المحفوظ الذي لا يقبل المحو ولا الإثبات، ثم قدر ذلك وشاءه لعباده، فشاء لهم الطاعة وشاء لهم البر والخير مشيئة شرعية دينية، محلها ومناطها الرضا، وشاء الله تبارك وتعالى الكفر والكبائر وسائر المعاصي، بمعنى أنه أذن في وجودها في الكون، وأذن الله تعالى في خلقها لا أنه يحبها ويرضاها، بل حذر منها ونهى عنها ورتب عليها العقوبات، ولأجلها أرسل الرسل، وأنزل عليهم الكتب، ومنحك العقل، حتى يهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة.
والمرتبة الرابعة: هي مرتبة الخلق.
فأفعال العباد جميعاً مخلوقة لله عز وجل.
بمعنى: أنه أذن في وجودها خيرها وشرها، فالخير والشر من الله عز وجل، كما دل على ذلك تلك الآيات الكثيرة التي سقناها في دروس مضت، ثم أقواله عليه الصلاة والسلام وأحاديثه التي مضت في دروسنا أيضاً لإثبات أن الخير والشر من عند الله عز وجل، مع أنه لا يرضى الشر، ولكنه أذن في وجوده ووقوعه، وأذن في خلقه؛ لأن الله تعالى علم أن العبد سيختار طريق المعصية فكتب ذلك عليه، لا أنه سبحانه يرضى المعاصي.