الفرقة الرابعة: الثوبانية، وهم أصحاب أبي ثوبان المرجئ، وهؤلاء قالوا: الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله تعالى وبرسوله وبكل ما لا يجوز في العقل أن يفعله، وما جاز في العقل أن يفعله فليس اعتقاده من الإيمان.
وقولهم: الإيمان هو الإقرار والمعرفة بالله وبرسوله هذا الكلام لا بأس به، ولكن قولهم: وبكل ما لا يجوز في العقل أن يفعله الله ولا أن يفعله الرسول غير مقبول؛ إذ إن مرد الإيمان عندهم إلى العقل، فما تصوره العقل في حق الله وفي حق الرسول عليه الصلاة والسلام فهو من الإيمان، وما لا يمكن أن يتصوره العقل في حق الله ولا في حق الرسول فليس من الإيمان، فجعلوا العقل حاكماً على الله وعلى رسوله، حتى في الأمور الغيبية.
وقال لي شخص من المرجئة سنة (١٩٨٣م): أنا لا أتصور أن الله تعالى خلق السماوات في يومين والأرض في يومين، ولا أتصور أن الله خلق جميع الخلق وقدر السماوات والأرض والأقوات والمخلوقات في ستة أيام، ونازع وأصر أن الله على فرض أنه فعل ذلك فلابد أن يكون يوم الجمعة هو يوم راحته، مع أن القرآن نفى أن الله يكل أو يمل أو يتعب نفياً صريحاً أكيداً، ولكنه أصر على هذا الكفر والعناد.
قالت الثوبانية: إن الإيمان هو: أن نؤمن بكل ما لا يجوز في العقل أن يفعله -أي: أن يفعله الله ورسوله- وما جاز في العقل أن يفعله ليس اعتقاده من الإيمان.
ومن أصول المعتزلة الأصيلة تقديم العقل على النقل، ومعنى تقديم العقل على النقل: أن التحسين والتقبيح راجعان إلى العقل، فالذي يحسن ويقبح هو العقل عند المعتزلة، وهو كذلك عند هذه الفرقة الضالة الثوبانية.
أما التحسين والتقبيح عند أهل السنة فإنه يستند إلى الشرع، والشرع عبارة عن الكتاب والسنة، والتحسين والتقبيح في الشرع مداره على النقل، فما قضى النقل بأنه قبيح يكون قبيحاً، وما قضى النقل بأنه حسن يكون حسناً.