للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الفرق التي تخالف أهل السنة]

السؤال

الفرق التي لا تتفق مع السلف، مثل الأشاعرة والمنهج الذي ينشأ عليه تلاميذ الأزهر -مثلاً- ما جزاء هؤلاء أمام الله؟ وهل الذي يسير على هذا المنهج يؤدي به ذلك للكفر بالله؟

الجواب

ليس من الضروري أن نقول لك: إن هذا يؤدي إلى الكفر بالله من أجل ألا تمشي وراءه.

وقوله عليه الصلاة والسلام: (كلهم في النار إلا واحدة) لا يلزم منه الخلود في النار، بل يلزم منه المكث الطويل للمفارقة بين المتبع والمبتدع.

ولو قلنا: بأن الفرق الضالة التي خالفت في أسماء والله وصفاته في النار لا نحكم عليها بالخلود؛ لأنه لا يخلد فيها إلا كافر، لكن اعلم أننا عندما نقول: هذه فرق ضالة.

هي بالفعل ضالة.

لماذا؟ لأنها ضلت السبيل، وضلت عما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام، لكن هل ضلوا بعناد وجحود؟ لا يمكن، إلا إذا كان صاحب هوى وصاحب انحراف، مثل عبد الله بن سبأ الذي قال: إن علياً هو الله، أو مثل الشيعة الذين يتقربون إلى الله بسب أبي بكر وعمر وعثمان، وتكفير الثلاثة، بل وتكفير معظم الصحابة إلا عدد قليل منهم.

وقولهم: إن القرآن الذين بين أيدينا ليس هو كلام الله ولا كتاب الله، وأن كتاب الله عز وجل يبلغ ثلاثة أضعاف هذا الكتاب الذي بين أيدينا، وأنه موجود محفوظ مع المهدي المنتظر المزعوم.

وأن النبي عليه الصلاة والسلام أوصى علياً بهذا الكتاب، وعلي أخفاه تقية، ثم أعطاه فاطمة، وفاطمة أعطته لمن بعدها وغير ذلك كلام كله خبل.

أنا أريد أن أقول لك: هناك تأويل سائغ وهناك تأويل غير سائغ وغير معتبر، ولذلك عندما تقرأ لأصحاب الفرق الضالة في كتاب ابن الجوزي المذكور آنفاً تجده يقول: ولقد بلغ أقوام من أهل الضلال مبلغاً جعلهم يقولون: إن الله تعالى شخص جميل، ومنهم من صرح بذلك فقال: إن الله تعالى إنسان لطيف، فأثبتوا له ما هو من صفات المخلوقين، من أن الله تبارك وتعالى يأكل ويشرب ويتغوط وينكح ويلد، وهذا بلا شك كفر صريح يصادم القرآن الكريم.

إذا علمت هذا فلابد وأنك ستقدر موقف المعتزلة في مسألة خلق القرآن الكريم، المعتزلة قالوا: إن القرآن مخلوق وهو كلام الله.

يعني: وافقوا أهل السنة بأن القرآن كلام الله، لكنهم قالوا: إنه مخلوق.

وأهل السنة يقولون: هو كلام الله غير مخلوق.

ومن قال: إنه مخلوق فقد كفر؛ لأن كل مخلوق حادث، وكل حادث لابد وأن يطرأ عليه الفناء.

أما المعتزلة فقالوا: لا يلزم من ذلك القول بالذات، وقامت الدنيا ولم تقعد في زمن الدولة العباسية في الصدر الأول في القرن الثالث الهجري وعذبوا أحمد بن حنبل ومن معه لرده على المعتزلة.

لو أني سألت نفسي سؤالاً: إن هذه القضية متعلقة بذات الإله، وليست لها علاقة بالدنيا ولا بالسلطان ولا بالمال ولا بالأبناء ولا بالزوجات، بل ولا حتى بالكرسي والعرش، حتى ندعي بأنهم عندما دخلت السياسية في هذه القضية كانوا يقصدون بذلك المحافظة على كراسيهم وعلى مناصبهم ودولتهم، فهي قضية عقدية بحتة عند المعتزلة، ولابد أن أحكم بأن المعتزلة كانوا يريدون بهذا المذهب وجه الله عز وجل، فإن المعتزلة حين أحدثوا هذا المذهب الباطل لم يعلموا بأنه الباطل الذي ليس بعده بطلان، وأنه أفسد الفساد، ولكنهم ذهبوا هذا المذهب وفي ظنهم واجتهادهم أن هذا دين الله عز وجل، ومن أجل ذلك قاموا على أهل السنة فضربوهم وآذوهم؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن الكلام في الله عز وجل حادث، وأحمد بن حنبل لا يقول بأنه حادث، حتى قامت الحجة واستقر الأمر، ومَنَّ الله تبارك وتعالى على هذه الأمة بظهور أحمد بن حنبل ومن معه، لكن لابد أن أوضح بأن الدولة العباسية في ذلك الزمان كان يهمها أن ترعى دين الله عز وجل، لا ترعى دنياها ولو أفسدت الدنيا والدين كمن يفتي بحل الربا، بل أصبح الآن حلالاً بقانون وبقرار.

أيعقل أنه لا يعرف أنه هذا ليس حلالاً؟ يعرف، لكن هذا كرسي وسلطان وأموال تدفع شهرياً فأصبح معلوماً لكل ذي عينين ولمن كان له لب أن هذه الفتوى فتوى مأجورة مفصلة، وليست فتوى دين أبداً.

ومعظم الفتاوى التي على هذا النحو ليست ديناً، حتى الحراس والزراع في أراضيهم يعلمون هذا؛ لأنه يصدمهم فيما تربوا عليه ونشأوا وأنت أبوك الفلاح الذي يحسن كتابة اسمه يعلم أن التعامل مع البنوك ربا.

لماذا؟ لظهور العلم وانتشاره.

تأتي وتقول: أين العمل بهذه الفتوى؟ سأقول لك: إنك صاحب هوى، أنت كذاب، أنت متبع لهواك عندما تقول: أضعها في رقبة عالم وأخرج منها سالم.

أما المعتزلة عندما أخطئوا فما كانوا يقصدون الخطأ، ولم يكن من وراء خطئهم مصلحة لهم في قيام دولتهم، وإنما هو الدين الذي حرصت الدولة في ذلك الوقت على بيانه وظهوره على الدين كله، ولكنهم في هذا الاجتهاد أخطئوا، ولما انتشرت هذه البدعة وماجت في الأرض شرقاً وغرباً كان لزاما