[نقض مذهب المبتدعة في الصفات وبيان مذهب السلف في الإثبات والنفي]
أيضاً: من السلف من يعد النفس صفة لله عز وجل.
وهذا هو الذي يترجح لدي، ومنهم الإمام ابن خزيمة في كتاب التوحيد حيث قال في أوله: (فأول ما نبدأ به من ذكر صفات خالقنا جل وعلا في كتابنا هذا: ذكر نفسه).
يعني: أول صفة ذكرها إمام الأئمة في كتاب التوحيد هي صفة النفس لله عز وجل.
ثم قال: (جل ربنا عن أن تكون نفسه كنفس خلقه، وعز أن يكون عدماً لا نفس له).
يريد أن يقول: نثبت له الصفات بغير تمثيل، وننزهه بغير تعطيل، وهذا هو منهج السلف: إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل.
كيف ذلك؟ أنا أعلم من نفسي أن لي نفساً، وأعلم أن هذه النفس قد اختلف فيها أهل العلم، فمنهم من قال: هي الروح.
ومنهم من قال: هي الدم.
ومنهم من قال: هي النفس الذي يتنفسه المرء.
وغير ذلك مما يقع في أودية الحد والتعريف لنفس الإنسان.
أنا أثبت لنفسي النفس؛ لأن الله تبارك وتعالى جبلني وخلقني عليها، وأثبت لله عز وجل النفس، ولكنها نفس تختلف عن نفسي.
لماذا؟ لأن ذات الله تختلف عن ذاتي، ولما كانت النفس من صفات الله عز وجل، والذات غيب عني، وأنا لا أعلم كنه الذات ولا كيفية الذات، فلابد وأنني سأسكت عن الخوض في الصفات؛ لأن الذات إذا كانت علية جليلة سامية فلابد وأن الصفات تابعة لها، ومنها صفة النفس، فإن الله تعالى له نفس، ولابد وأنها تختلف عن نفسي.
كيف هي؟ الله أعلم بنفسه.
ولا نعطل المولى تبارك وتعالى عن صفاته، فنقول: لا نفس له.
لأن هذا نفي لما أثبته الله تعالى في كتابه، وما أثبته له رسوله في سنته.
فلو قلت: إن لله نفساً كنفسي، جعلت الله تبارك وتعالى كخلقه.
وهذا حرام.
وإذا قلت: إنه ليس هناك نفس لله، سلبت الذات العلية الإلهية صفاتها التي أثبتها الله تبارك وتعالى لنفسه، وهو أعلم بنفسه، ورسوله أعلم به.
فحيث أردت إثبات ما أثبته الله لنفسه احذر من الوقوع في أن أقول: إن له نفساً كنفسي.
لأن هذا تمثيل وهو حرام.
وإذا أردت أن أنزه الله عز وجل فلا أنزهه على مذهب المعطلة النفاة الذين ذهبوا بزعمهم إلى تنزيه الإله، فقالوا: ذات بلا صفات.
لماذا؟ قالوا: لأن إثبات هذه الصفات يستلزم المشابهة.
ففروا من التمثيل والمشابهة فوقعوا في التعطيل، وكلاهما شر.
أما مذهب أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته فوسط بين الممثلة وبين المعطلة، فقد أثبتوا لله تعالى ما أثبته لنفسه، ولم يخوضوا في معرفة كيفيته، بل أثبتوه على الوجه الذي يليق بعظمة الله تبارك وتعالى وجلاله وكماله.
وهم يقولون: له نفس، ولكن نحن لا نعلم كيفيتها؛ لأن الذات غيب عنا، ولا نعلم كيفية الذات، وإذا كنا لا نعلم كيفية الذات، فلن نعلم كيفية الصفات.
ولكن انظر مرة ثانية إلى كلام ابن خزيمة عليه رحمة الله حيث يقول: (فأول ما نبدأ به من ذكر صفات خالقنا جل وعلا في كتابنا هذا: ذكر نفسه، جل ربنا عن أن تكون نفسه كنفس خلقه -رد للتشبيه والتمثيل- وعز ربنا أن يكون عدماً لا نفس له).
وهذا رد على المعطلة النفاة.
واعلم أن هناك بعض الحانقين الحاسدين في زمن ابن خزيمة سموا كتاب التوحيد لـ ابن خزيمة: كتاب الشرك، مع أنه ينضح توحيداً على مذهب السلف.
ابن خزيمة عليه رحمة الله ذكر الذهبي في ترجمته أنه كان ممن يخضب.
وهذا ربما يقال بأنه لا يحتاج إلى ذكر، والواقع غير هذا؛ لأن في ترجمة أي راوٍ من الرواة عندما يذكر مثل ذلك الذي يُرى أنه لا قيمة له، كان لذكره سبب، وقيمته كامنة في اتباع ذلك الراوي لهدي النبي عليه الصلاة والسلام ومنابذته في هذا الهدي لليهود والنصارى وغيرهم، ولذلك ابن خزيمة لما تكلم بهذا الكلام، لابد وأنه يرد به على بقية الفرق الضالة عن سواء السبيل، واختلفوا في دينهم، حتى اختلفوا في ذات الإله تبارك وتعالى.
وللشيخ الإمام ابن الجوزي عليه رحمة الله كتاب اسمه: (كيد الشيطان لنفسه قبل خلق آدم عليه السلام وذكر الفرق الضالة)، يذكر فيه كيف طرأ الفساد على هذه الأمة المباركة، ويذكر تسلسلاً لا تكاد تشبع منه حتى تقرأ الكتاب مرات ومرات، يشنع فيه على اليهود تارة وعلى المجوس تارة وعلى النصارى أخرى، ثم يشنع أيما تشنيع على الفرق الضالة الذين انتسبوا للإسلام واختلفوا فيه.
ومما قاله: (ونهى النبي عليه الصلاة والسلام عن التشبه باليهود والنصارى، فإن النصارى اختلفوا في ربهم وفي إلههم، فلو سألتهم عن ربهم لكان للرجل رأي، وللمرأة رأي، وللأولاد آراء، وللخادم عندهم رأي حتى أنك تطرح عليهم المسألة وهم عشرة فتخرج منهم بإحدى عشر رأياً).
اختلاف عظيم جداً في ربهم، ولكن الدليل على أن أهل السنة والجماعة هم أعلم الناس بالله عز وجل، وأنهم أهل الإيمان الحقيقي: أنهم لم يختلفوا في ربهم، لا في ذاته ولا أسمائه ولا صفاته ولا أفعاله، كلامهم واحد.
ولو أخذت هذا الكلام لـ ابن خزيمة عليه رحمة الله وعرضته على كلام أحمد لوجدته يتطابق تمام المطابقة معه، ومع كلام السلف كلهم، وك