[النصوص النبوية في النهي عن مجالسة ومناظرة أهل الأهواء والبدع]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ذروني ما تركتكم)]، أي: لا تسألوني عن شيء ما دمت أني قد تركته.
ثم قال: [(فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم).
والحديث أخرجه البخاري].
قوله: (فما نهيتكم عنه فاجتنبوه)؛ لأن كل نهي ورد في الشرع في مقدور جميع المكلفين، بخلاف الأمر فإنه مشروط بالاستطاعة.
فمثلاً: الحج مأمور به وهو مشروط بالاستطاعة، والقيام في الصلاة واجب وهو أمر، ومع هذا من لم يستطع أن يصلي قائماً صلى قاعداً حسب استطاعته.
وأما النهي فإن النبي عليه الصلاة والسلام أطلق فيه القول، وقال: (وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، ولم يقل: فاجتنبوه ما استطعتم؛ ليدل على أن النهي داخل في مقدور كل إنسان، بخلاف الأمر فإنه مشروط بالاستطاعة كما ذكرنا.
قال: [عن أبي أمامة قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل)].
إذاً لابد عليك أن تعلم أن أحد العلامات التي يتميز بها أهل البدع وأهل الزيغ: أنهم يجادلون في دين الله عز وجل، فيأخذون النصوص ويضربون بعضها ببعض.
قوله: (إلا أوتوا الجدل) أي: رزقوا، ثم قرأ النبي عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف:٥٨].
قال: [عن قتادة في قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ} [الحج:٣] قال: صاحب بدعة يدعو إلى بدعته].
فهو الذي يجادل في الله بغير علم أتاه.
قال: [عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن نفراً كانوا جلوساً بباب النبي عليه الصلاة والسلام فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟ وقال الآخرون: ألم يقل الله كذا وكذا)]، أي: أن هذا يأتي بنص من كتاب الله، والآخر يأتي بنص في ظاهره يناقض النص الأول.
[(فخرج عليهم النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن سمعهم وكأنما فقئ في وجهه حب الرمان -أي: من شدة الغضب- فقال: أبهذا أمرتم؟ أو بهذا بعثتم أن تضربوا القرآن بعضه ببعض، إنما هلكت الأمم قبلكم في مثل هذا، فانظروا الذي أمرتم به فاعملوا به، وانظروا الذي نهيتكم عنه فانتهوا عنه)].
أي: لا تضربوا كتاب الله تعالى بعضه ببعض؛ لأن هذا من شأن أهل البدع والزيغ والضلال.
قال: [عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله عز وجل أمركم.
ويكره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال)]، وهذا لم يكن نهج الصحابة ولا السلف.
قال: [عن عائشة قالت: (تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران:٧] حتى بلغ: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:٧]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه أولئك الذين سماهم الله فاحذروهم)].
والذين سماهم الله عز وجل هم الذين يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.
وصفهم الله تبارك وتعالى في صدر الآية فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران:٧].
إذاً: الذي يتبع متشابه القرآن ومتشابه السنة هو الذي في قلبه زيغ، وقد حذر الله تبارك وتعالى منه.
قال: [قال علي رضي الله عنه في خطبته: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المدينة حرام ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله تعالى منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً)].
أي: أن المدينة حرام ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً، أو أتى بقول جديد مخترع لا دليل عليه من كتاب أو سنة فعليه لعنة الله، أو أوى من أتى بهذه المحدثة وهذه البدعة أو هذا الجرم، أو أحدث حدثاً استوجب عليه حداً كالردة وغيرها، أو آوى من فعل ذلك؛ لأجل ألا يقام عليه الحد، فإن من فعل ذلك إنما استجلب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
قال: [عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)]، أي: فهو مردود عليه.
ولاشك أ