[كل شيئين بينهما قدر مشترك وقدر فارق]
القاعدة الثامنة: ما من شيئين إلا بينهما قدر مشترك وقدر فارق، فمن نفى القدر الفارق فقد مثل، ومن نفى القدر المشترك فقد عطل، والقاعدة هذه من أعظم القواعد في الأسماء والصفات، أسسها شيخ الإسلام ابن تيمية ومن بعده ابن القيم.
ولنضرب مثالاً: الله تبارك وتعالى ذات، وقد وصف نفسه بأن له يدين، وأنا ذات ومتصف بصفات منها اليدان، إذاً القدر المشترك بين يدي ويدي الله تبارك وتعالى أن الذي لي اسمه يد، وأن الذي ثبت لله تبارك وتعالى كذلك، فالقدر المشترك بيني وبين الله هو مجرد التسمية، لكن هناك فارق، ويعلم هذا الفارق بالإضافة وعند إطلاق كلمة يد، فحينما أقول: (يد) فقط يعني: اليد المعلومة التي تراها، وهي اليد الملاصقة لبدنك، لكن لو قلت: يد الله، فالمعنى يحمل شيئاً آخر، وهو أن يد الله تبارك وتعالى لا يعلم كيفيتها أحد من الخلق؛ وذلك لوجود القدر الفارق بين ذات الله وذات المخلوق، فلا بد أن يكون هناك قدر فارق بين صفات الخالق وصفات المخلوق، فمن صفات الخالق أن له يداً لكنها يد تليق بذاته، ولما كان ذات الله بالنسبة لي مجهولة فلا بد أن تكون يده كذلك بالنسبة لي مجهولة، لكن لو قلت: يدي فقط، أو يد محمد، أو يد إبراهيم، أو زيد، أو عبيد، فأنت تعلم كيفية هذه اليد حتى وإن لم ترها، لكن لو قلت: يد الله فوق أيديهم، فإنني أثبت لله تبارك وتعالى اليد التي أثبتها لنفسه على مراده هو، وعلى كيفية لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.
فالقاعدة الثامنة: ما من شيئين إلا بينهما قدر مشترك وقدر فارق، فمن عطل القدر الفارق فقد مثل؛ لأنه يلزمه أن يقول: يد الله كيدي، ولو أنك مثلت صفات المولى تبارك وتعالى بصفاتك فيصبح الله سبحانه عبارة عن إنسان، بل يكون إنساناً على صورة قبيحة تعالى الله عن ذلك! لأن الله تبارك وتعالى له ساق واحدة كما أثبت لنفسه، فعندما ترى إنساناً له ساق واحدة فإن هذا منظر قبيح على غير العادة والمألوف.
فهل يتصور أن يكون الخالق تبارك وتعالى في نهاية الأمر عبارة عن صورة قبيحة؟! وسيصبح وجه المولى تبارك وتعالى ممسوحاً لو مثلته بالمخلوق؛ لأن المولى تبارك وتعالى لم يثبت لنفسه الأذن ولا الأنف ولا الفم، وهذا لا يتصور عنه سبحانه، تنزه عن ذلك كله، بل لو أن إنساناً بغير فم ولا أنف ولا أذن فإن منظره سيكون قبيحاً.
إذاً: لا بد أن نثبت لله تبارك وتعالى ما أثبته لنفسه، كما قال: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:١٤٠] فالله تبارك وتعالى هو أعلم بذاته وأعلم بصفاته، وهو جميل يحب الجمال، ففي الحديث: (إن الله جميل) فإذا أثبتنا أن الله تبارك وتعالى يشابه أو يماثل خلقه فلا بد أن يكون الله تعالى عبارة عن شخص له ساق واحدة وبلا وجه، بمعنى: أنه ليس له أنف ولا فم ولا أذن، وسينطبع في مخيلتي وذهني قبح هذه الصورة، والله تبارك وتعالى جميل يحب الجمال، فكيف يتفق ما دار في ذهني مع ما ثبت في النص؟ إذاً: لابد أن أرجع إلى إثبات النص على مراد الله عز وجل.
إنَّ الله تبارك وتعالى له ساق واحدة وهي في حقه غاية الكمال، وقد تكون صفة النقص في حق المولى تبارك وتعالى كمالاً في حق المخلوقين، بل لا يستقيم ولا تستقيم حياة المرء إلا بهذه الصفة، فالنوم مثلاً صفة نقص في حق المولى تبارك وتعالى، وهي صفة كمال للمرء؛ لأنه لو لم ينم لجن، وذلك لأنه يلبي رغبة بدنه وهي النوم، فإذا نام واستيقظ فإنك تجده في أحسن منظر ويظهر عليه الوضاءة والنضرة؛ لأنه أخذ حاجته من صفة لازمة له، فالنوم نقص في حق المولى تبارك وتعالى ولا ينبغي له، وهي صفة كمال في حق المخلوقين لا تستقيم حياتهم إلا به، فالذي ينفي القدر الفارق بين الله تبارك وتعالى وبين المخلوقين لا بد أن يثبت لله صفات كصفات المخلوقين.
ومن نفى القدر المشترك فقد عطل، والقدر المشترك هو أن يكون الاشتراك بيني وبين الله عز وجل في الاسم فقط، فالقدر المشترك بين يدي ويدي المولى تبارك وتعالى في مجرد التسمية، قال الله سبحانه: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:١٠].
وفي الحديث: (يد الله على الجماعة)، وفي رواية: (يد الله مع الجماعة).
وأهل البدع يقولون: قوة الله، باعتبار اللازم لهذه اليد؛ لأن اللازم لليد هو القوة، وباعتبار اللازم تصير اليد هنا بمعنى: القوة، وقد سمى الله تبارك وتعالى نفسه القوي واتصف بالقوة، فالأحاديث والآيات أثبتت له القوة من جهة الصفة، وأثبتت أنه قوي من جهة الاسم، فلما أقول: اليد بمعنى: القوة، إذاً: لا داعي أن أثبت أنه قوي كما في الآية الأخرى، قالوا: لأننا في الحقيقة ننزه المولى تبارك وتعالى عن مشابهته لخلقه، فإنه يلزم من إثبات اليد المشابهة بين الخالق والمخلوق، وهكذا عجزوا بعقولهم أن يثبتوا لله يداً تليق بجلاله وكماله وعظمته، فهم بذلك أرادوا أن يهربوا بزعمهم من التمثيل والتشبيه فوقعوا في التعطيل، وقالوا: اليد في قوله تعالى: {يَدُ ال