ووقف أعرابي على حلقة فيها عمرو بن عبيد -وهو رأس الاعتزال ورأس القدر، وكان أسوأ من بشر المريسي الذي ذكرنا ترجمته في الدرس الماضي- فقال الأعرابي: يا هؤلاء! إن ناقتي قد سُرقت، فادعوا الله أن يردها علي.
فهو أتى إلى طلاب العلم لعل فيهم واحد تكون دعوته مقبولة ومستجابة، فقال لهم: فادعوا الله أن يرد ناقتي؛ لأنها سُرقت.
أي: أن الله تعالى هو الذي أراد إرادة كونية قدرية أن تُسرق هذه الناقة.
فقال له عمرو بن عبيد: اللهم إنك لم ترد أن تسرق ناقته فسُرقت، فأرددها عليه، أي: أن إرادة السارق أقوى من إرادة الله.
فقال الأعرابي: لا حاجة لي في دعائك.
وبعض المتكلمين وأئمة الاعتزال والفلسفة بعد أن حاروا في علم الكلام؛ كانوا في فراش الموت يوصون بكلمة واحدة: عليكم بدين العجائز، أي: الزموا العقيدة الصافية.
فحينما تقعد عند جدتك وجدك تجد أن عندهما من التوكل على الله والثقة بالله ما ليس عندك.
فقال الأعرابي: لا حاجة لي في دعائك، قال: ولِم؟ قال: أخاف أن يريد ردها فلا ترد.
فالأعرابي غلب عمرو بن عبيد.
وقال رجل لـ أبي عصام القسطلاني: أرأيت إن منعني الهدى، وأوردني الضلال ثم عذبني أيكون منصفاً؟ فقال له أبو عصام: إن يكن الهدى شيئاً هو له فله أن يعطيه من يشاء، ويمنعه من يشاء.
أي: أن الهدى له فهو يعطيه لمن يشاء، ويمنعه ممن يشاء، وإذا علم الله تعالى من العبد الخير واستحقاق الهدى لا يمنعه، وإذا علم الله تبارك وتعالى ميل عبده إلى المعصية، وحرصه عليها، فلِم يعطيه الهدى؟