[كلام ابن أبي العز في الإيمان بالمعاد]
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية: والإيمان بالمعاد مما دل عليه الكتاب والسنة والعقل والفطرة السليمة، فأخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه، وأقام الدليل عليه، ورد على المنكرين في غالب سور القرآن، وذلك أن الأنبياء كلهم متفقون على الإيمان بالله، فإن الإقرار بالرب عام في بني آدم.
يعني: توحيد الربوبية هذا أمر كان المشركون يقرون به، أما الإلهية فلا، فكلهم يقر بالرب إلا من عاند كفرعون، بخلاف الإيمان باليوم الآخر فإن منكريه كثيرون، ومحمد صلى الله عليه وسلم لما كان خاتم النبيين، وكان قد بعث هو والساعة كهاتين، وأشار إلى السبابة والوسطى لقربهما، وأنه ليس بينه وبين الساعة نبي ولا رسول، فإن القيامة الكبرى هي معروفة عند الأنبياء من آدم إلى نوح إلى إبراهيم وموسى وعيسى حتى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد أخبر الله عن أهل النار أنهم إذا قال لهم خزنتها: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الأنعام:١٣٠].
يعني: هل ما جاء أحد من الرسل والأنبياء وحذروكم من هذا اليوم وأخبروكم بيوم القيامة؟ فماذا قالوا حينئذ؟ قالوا: بلى.
الرسل أخبرونا وأنذرونا، قامت علينا الحجج والبراهين ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين، وهذا اعتراف من أصناف الكفار الداخلين جهنم أن الرسل أنذرتهم لقاء يومهم هذا، فجميع الرسل أنذروا بما أنذر به خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
وأمر الله تعالى نبيه أن يقسم على المعاد، فقال: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ:٣].
يعني: اقسم لهم يا محمد! أنها آتية لا ريب فيها.
وقال: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ} [يونس:٥٣]؟ يستخبرونك يا محمد! هذا المعاد وهذا البعث حق كما تزعم؟ {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس:٥٣].
جاء أبي بن خلف إلى النبي عليه الصلاة والسلام وفي يده عظم قد أرم وقال: (يا محمد! أتزعم أن الله تعالى يحيي هذه العظام بعد أن رمت وبليت؟) ثم فت العظام بيده فصارت رماداً، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (والذي نفس محمد بيده يحييها الله عز وجل، ويميتك ثم يحييك ثم يدخلك النار).
وقال الله عز وجل: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن:٧]، وأخبر الله تعالى عن اقترابها فقال: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:١]، وقال: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:١]، وقال: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} [المعارج:١ - ٢] إلى قوله: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج:٦ - ٧].
وذم الله تعالى المكذبين بالمعاد فقال: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام:٣١]، وقال تعالى: {أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} [الشورى:١٨]، وقال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} [النحل:٣٨] أنه يبعث من يموت.
إلى أن قال الله تعالى: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} [النحل:٣٩]، وقال الله تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} [غافر:٥٩]، وقال تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا} [الإسراء:٩٧ - ٩٩].
{وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} [الإسراء:٤٩].
{قُلْ كُونُوا حِجَا