قال: [عن أبي موسى: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، حتى تطلع الشمس من مغربها) أخرجه مسلم].
الإمام المازري قال: اليد هنا بمعنى: القبول.
يعني: ليست هي اليد الحقيقية، وإنما اليد بالنسبة للمولى عز وجل بمعنى قبول توبة العبد إذا تاب إلى الله عز وجل.
إذاً: يكون التقدير هكذا: إن الله تعالى يقبل توبة عبده الذي عصى بالنهار إذا تاب في الليل، ويقبل توبة عبده بالليل إذا عصى في النهار.
وهذا كلام لا يستقيم مع معتقد أهل السنة والجماعة في اليد، فاليد هي اليد الحقيقية لله عز وجل التي تثبت على الوجه الأكمل اللائق به تبارك وتعالى، ولو قلنا: إن اليد عبارة عن قبول التوبة، أو أن اليد هي النعمة أو هي القدرة، فلابد أن يكون هذا الحديث في نهاية الأمر لا معنى له.
والإمام النووي عليه رحمة الله ينقل عن المازري، لم يكن ضليعاً في مسائل الاعتقاد.
لا أقول: إنه أشعري وإن كان يتبنى مذهب الأشاعرة في بعض الأحيان، وليس حال الإمام النووي بأحسن من حال ابن الجوزي، فكلاهما مضطرب في أمر الاعتقاد، خاصة في باب الصفات، فهما تارة ينافحان ويدافعان عن مذهب السلف بكل ما أوتيا، ويقولان: نؤمن بهذه الصفات ونمرها كما جاءت، ولا نخوض فيها بتأويل ولا تعطيل، بل نثبتها على الوجه اللائق بالله عز وجل، وتارة يقولان: لابد من تأويل هذه الصفة؛ لأن الأمر لا يستقيم في أذهانهم على المنهج الأول وهو منهج السلف.
وتارة نسمع أن مذهب السلف أسلم وأن مذهب الخلف أعلم وأحكم، وهذا الكلام في غاية الخطورة؛ لأنه يجعل من التأويل وصرف النصوص عن ظاهرها علماً أزيد وحكمة أوسع مما كان عليه السلف رضي الله تبارك وتعالى عنهم، ولم يثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام تعرض لصفة من الصفات بالتأويل، أو صرفها عن ظاهرها المعلوم لدى النطق بها وسماعها لدى أصحابه الكرام رضي الله عنهم أجمعين، كما لم يثبت أن صاحباً من أصحاب رسول الله سأل عن معنى اليد أو العين أو الساق أو القدم لله عز وجل، وإنما آمنوا بها على حقيقتها اللائقة بالله عز وجل، وأمروها دون أن يخوضوا فيها؛ لعلمهم أن ذات الإله تختلف عن ذوات المخلوقين، فأثبتوا هذه الصفات لله على الوجه الذي يليق بذاته العلية تبارك وتعالى، فقال:(إن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار حتى تطلع الشمس من مغربها).