للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقدمة المصنف رحمه الله تعالى لكتابه شرح أصول الاعتقاد]

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد: ففي الدرس الماضي انتهينا من الكلام عن الكتاب وعن المؤلف كذلك، ووعدنا بأن ندخل في الموضوع مباشرة، والمقدمة التي كتبها الإمام مقدمة طويلة جداً، وفيها فوائد عظيمة، خاصة أنه بين فيها بعض معالم أهل السنة والجماعة، وبعض معالم أهل البدعة والضلالة، وهذه المسألة في غاية الأهمية، إذ إن العلم بها لابد وأن يحفظ صاحبه في مسيره إلى الله عز وجل.

قال الكاتب في المقدمة بعد أن ذكر راوي هذه النسخة وسند الكتاب: قال هبة الله أبو القاسم: [الحمد لله الذي أظهر الحق وأوضحه، وكشف عن سبيله وبينه، وهدى من شاء من خلقه إلى طريقه، وشرح به صدره، وأنجاه من الضلالة حين أشفا عليها -أي: حين أقدم عليها وكاد أن يهلك- فحفظه وعصمه من الفتنة في دينه، فأنقذه من مهاوي الهلكة، وأقامه على سنن الهدى وثبته، وآتاه اليقين في اتباع رسوله وصحابته ووفقه، وحرس قلبه من وساوس البدعة وأيده، وأضل من أراد منهم وأبعده، وجعل على قلبه غشاوة وأهمله، في غمرته ساهياًَ، وفي ضلالته لاهياً، ونزع من صدره الإيمان، وابتز منه الإسلام، وتيهه في أودية الحيرة، وختم على سمعه وبصره، ليبلغ الكتاب فيه أجله، ويتحقق القول عليه بما سبق من علمه فيه من قبل خلقه له وتكوينه إياه، ليعلم عباده أنه إليه الدفع والمنع، وبيده الضر والنفع، من غير غرض له ولا حاجة به إليه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، إذ لم يطلع على غيبه أحداً، ولا جعل السبيل إلى علمه في خلقه أبداً، لا المحسن استحق الجزاء منه بوسيلة سبقت منه إليه، ولا الكافر كان له جرم أو جريرة حين قضى وقدر النار عليه].

هذا كلام جميل جداً في القدر، فهو يريد أن يقول: إن المحسن لما استحق الجنة لم يستحقها بإحسانه، وإنما بفضل الله عز وجل، وكذلك الكافر استحق عذاب الله بعدله.

قال: [فمن أراد أن يجعله لإحدى المنزلتين -الجنة أو النار- ألهمه إياها، وجعل موارده ومصادره نحوها -أي: يسره لما خلق له، إما الجنة وإما النار- ومتقلبه ومنقلبه ومتصرفاته فيها، وكده وجهده ونصبه عليها؛ ليتحقق وعده المحتوم، وكتابه المختوم، وغيبه المكتوم -كما قال تعالى-: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} [الشورى:١٨]، -وقال-: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة:٢٥٧].

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده الذي لا شريك له، يحيي ويميت وينشئ ويقيت، ويبدئ ويعيد، شهادة مقر بعبوديته، ومذعن بألوهيته، ومتبرئ عن الحول والقوة إلا به.

ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه إلى الخلق كافة، وأمره أن يدعو الناس عامة؛ لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين].