[أصول البدع]
قال: [فأما الأربعة الأصول التي بها يعرفون وإليها يرجعون فهو ما حدثنا المسيب بن واضح قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: أصل البدع أربعة: الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة].
هذه هي أصول البدع، ثم كل فرقة من هذه الفرق تشعبت إلى عشرين فرقة أو أقل أو أكثر، حتى أصبح في نهاية الأمر مجموع هذه الأصول والفروع اثنين وسبعين.
وهذا العدد ليس متفقاً عليه، فمنهم من يجعل أصل الفرق أربع فرق، وهم جماهير السلف، وربما يكون اختلاف العد نظراً لاختلاف العصر، فهذه الفرق التي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن تفرقها عن أمة الإسلام إنما أخبر بها في زمن النبوة، ولم تكن في زمن النبوة مفترقة، ولكن ظهرت أصول بعض البدع في زمن النبوة، ثم ازدادت هذه الأصول بعد ذلك، ثم في كل قرن تزداد ظهوراً ووضوحاً وتفرقاً، فربما يكون سبب اختلاف العد في الأصول والفروع هو بسبب اختلاف الظهور من عدمه في كل عصر من العصور.
قال: [ثم تتشعب كل فرقة ثمانية عشرة طائفة، فتلك اثنتان وسبعون فرقة، والثالث والسبعون هم الجماعة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها الناجية].
قال: [قال المسيب: أتيت يوسف بن أسباط فسلمت عليه وانتسبت إليه -يعني: قلت له: أنا قريب منك- وقلت له: يا أبا محمد! إنك بقية أسلاف العلم الماضين -يعني: أنت من بقية السلف الصالحين- وإنك إمام سنة، وأنت على من لقيك حجة -يعني: أنت حجة على من لقيك- ولم آتك لأسمع الأحاديث، ولكن لأسألك عن تفسيرها، وقد جاء هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة)، فأخبرني من هذه الفرق حتى أتوقاها؟ فقال لي: أصلها أربعة، يعني: لم يخبره بالاثنين والسبعين فرقة، وإنما أخبره عن أصول هذه الفرق، قال: القدرية والمرجئة والشيعة -وهم الروافض- والخوارج، فثماني عشرة فرقة في القدرية، وثماني عشرة في المرجئة، وثماني عشرة في الخوارج، وثماني عشرة في الشيعة، ثم قال: ألا أحدثك بحديث لعل الله أن ينفعك به؟ قلت: بلى يرحمك الله، قال: أسلم رجل على عهد عمرو بن مرة فدخل مسجد الكوفة، فجعلت أجلس إلى قوم أصحاب أهواء، فكل يدعو إلى هواه، وقد اختلفوا علي، فما أدري بأيها أتمسك، فقال له عمرو بن مرة: اختلفوا عليك في الله عز وجل أنه ربهم؟] يعني: هذا الذي أسلم في زمن عمرو بن مرة ودخل المسجد، كان كلما جلس إلى قوم وجدهم يدعون إلى أهواء، ولا يدعون إلى كتاب وسنة، فرجع مرة ثانية إلى عمرو بن مرة يسأله: [إني جلست إلى أناس أصحاب أهواء، يدعون إلى أهوائهم، فقال له: اختلفوا عليك في الله عز وجل أنه ربهم؟ يعني: هل يشككونك في أن الله تعالى ربهم؟ قال: لا، قال: اختلفوا عليك في محمد صلى الله عليه وسلم أنه نبيهم؟ قال: لا، قال: فاختلفوا عليك في الكعبة أنها قبلتهم؟ قال: لا، قال: فاختلفوا عليك في شهر رمضان أنه صومهم؟ قال: لا، قال: فاختلفوا عليك في الصلوات الخمس والزكاة والغسل من الجنابة؟ قال: لا، قال: فانظر هذا الذي اجتمعوا عليه فهو دينك ودينهم فتمسك به].
ومعنى هذا الكلام: أن الخلاف في الفروع جائز، وأن هذه الفرق قد اختلفت في أصول الدين.
وقد ذكرنا كيفية معرفة ما إذا كانت هذه فرقه أو لا، وذلك إذا خالفت في أصل عام من أصول الشرع أو قاعدة كلية من قواعده لا يسع أحداً أن يعذر به، يعني: لو قلنا الآن لأجهل الجاهلين: هل الصلاة إلى القبلة أم إلى غيرها؟ فإنه يقول: إلى القبلة، لكنه لو قال: ولكني لا أدري أهي القبلة التي في مكة أو غيرها؟ فإنه لا يقبل منه هذا ولا يعذر به؛ لأنه لا يوجد أحد لا يعرف مكان القبلة، ولو قال: أنا مؤمن أن الله تعالى افترض علي خمس صلوات في اليوم والليلة، ولكني لا أدري كيفية هذه الصلوات ولا كيفية أدائها ولا أوقاتها لم يقبل هذا منه كذلك.
ولو قال: إن الله تبارك وتعالى افترض علي صيام رمضان، ولكني لا أدري متى يكون رمضان، هل هو قبل ربيع أو بعده؟ أو قبل رجب أو بعده؟ أو قبل شعبان أو بعده؟ لم يقبل منه هذا؛ لأن هذه أصول الديانة.
فهو هنا يقول له: اختلفوا عليك في الله أنه ربهم؟ قال له: لا لم يختلفوا في هذه القضية، يعني: أنهم متمسكون بأصل التوحيد، قال: اختلفوا عليك في محمد صلى الله عليه وسلم أنه نبيهم وأن الله أرسله إليهم؟ قال: لا، يعني: لم يختلفوا في هذه القضية، فمسألة الرسالة والنبوة من مسائل الأصول لا الفروع، ولا يوجد شخص يقول: أنا أعلم أن الله أرسل الأنبياء والرسل، ولا أدري من آخرهم رسالة، أو يقول: أنا أعلم أن الله تعالى أرسل إلى خلقه الأنبياء والمرسلين، ولكني لا أدري أمحمد رسول أم غير رسول؟ والقائل بهذا يكفر فوراً.
فسأله: هل اختلفوا عليك في الصلوات؟ قال: لا، قال: في الصيام؟ قال: لا، قال: في الزكاة؟ قال: لا.
وهذا يدل على أن الفرقة لا تكون فرقة إلا إذا خالفت في