[سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن الموتى في قبورهم لا يعلمون ما عليه الأحياء]
إن الحمد لله تعالى.
نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن الموتى في قبورهم لا يعلمون ما عليه الأحياء إلا إذا رد الله عليهم الأرواح.
قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:٢٢]].
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر قال: [(وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال: هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما أقول.
قال: فذكرت ذلك لـ عائشة فقالت: وهل أبو عبد الرحمن، إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر فقال: إنهم الآن يعلمون)].
يعني: رواية ابن عمر فيها قوله عليه الصلاة والسلام: (إنهم الآن يسمعون)، عائشة اعترضت على هذا الكلام وذكرت أنه قال: (إنهم الآن يعلمون)، لم يقل: يسمعون، أي: يعلمون أن ما كنت أقول لهم حقاً [(وإنهم لفي النار.
ثم قرأت: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل:٨٠])].
قال: [عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر)] وقليب بدر: الحفرة العظيمة التي ألقي فيها صناديد الشرك بعد أن وضعت الحرب أوزارها.
قال: [(وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال: هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ ثم قال: إنهم يسمعون ما أقول، فذكرت ذلك)]، والذاكر هو عروة، فهو الراوي عن ابن عمر ذكر ذلك لـ عائشة [فقالت: (وهل ابن عمر)] وهل بمعنى نسي وأخطأ أن يأتي بالرواية على وجهها.
[(إنما قال صلى الله عليه وسلم: ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق)]، وهذا الحديث أخرجه البخاري.
هذه المسألة يا إخواني! من مسائل التوحيد العظيمة جداً، والبعض يذكرها في مسائل الفقه، لكن تعلقها بالاعتقاد والتوحيد أعظم بكثير جداً من تعلقها بالفقه، بل لا أرى لها وجه شبه أو تعلق بالفقه، إنما هذه المسألة من مسائل الاعتقاد، خاصة وأنها تتعلق بأمر من أمور الغيب، وأمور الغيب كلها أمور توقيفية، لا مكان للعقل ولا للاجتهاد فيها، فكونهم يسمعون أو لا يسمعون، ينعمون أو يعذبون، يردون السلام أو لا يردون السلام، يشعرون بالزائرين أو لا يشعرون بالزائرين كل هذا من مسائل الغيب، فلا يحل لأحد أن يثبت شيئاً من مسائل الغيب أو يأتيه إلا بنص؛ ولذلك العلماء -خاصة الأشاعرة- يسمون هذه المسائل مسائل السمعيات، سميت بهذا لأنها من مسائل الغيب التي لا يصح فيها الكلام بالاجتهاد؛ وإنما الكلام فيها متوقف على ثبوت السمع، ومعنى السمع: النقل كتاباً وسنة.
وهم يعنون بالسمعيات الغيبيات؛ لأنها لا تثبت إلا عن طريق السمع أي: عن طريق النقل، قال الله، قال رسوله، ولا مجال لاجتهاد العقل فيها ألبتة.
هذه المسألة مسألة سماع الأموات: هل الموتى يسمعون أو لا يسمعون؟ محل نزاع قديم جداً بين العلماء، ومذهب أهل السنة والجماعة في هذه القضية أن الموتى لا يسمعون، وذهب بعض أهل العلم إلى أنهم يسمعون ونافحوا عن رأيهم وأتوا بأدلة عظيمة جداً وكثيرة، ومعظمها لا يثبت من جهة النقل، والثابت منها فهموه على غير مراده.