[النفي والتشبيه في الصفات هما أصلا الانحراف والضلال في هذا الباب]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب:٧٠ - ٧١]، أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
إن الفرق الضالة التي ضلت في صفات الله عز وجل إما أنهم نفاة، وإما أنهم مشبهة، وإن كانت هناك ضلالة أخرى فمردها ومرجعها إلى هاتين الضلالتين، وحديث الافتراق تعلقه بصفات الله عز وجل بالدرجة الأولى، فما ضلت هذه الأمة أعظم ضلال إلا لاختلاف فرقها، وكان الصدر الأول للإسلام على الجادة والاستقامة خاصة في عهد الخلفاء الراشدين، فلم تظهر تلك الانحرافات إلا في عهد صغار الصحابة، أي: في أواخر المائة الأولى للهجرة، كما روى مسلم في صحيحه: أن أول من قال بالقدر في البصرة هو معبد الجهني.
فسبب الافتراق والضلال هو أن الأمة اختلفت في ربها وخاصة في صفاته، فمنهم من لم يفهم من صفات الله عز وجل إلا ما يفهم من صفات المخلوقين، وإذا مر على ذكر أو تلاوة صفات المولى عز وجل لا يسعه مع هذا القصور الفكري إلا أن يمثل أو يشبه الله تبارك وتعالى بخلقه، فإذا قرأ:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[الفتح:١٠] قال: إن لله تعالى يداً كيدي، وساقاً كساقي، وعيناً كعيني.
وقلنا من باب اللزوم: إذا كانت هذه الصفات الثابتة لله عز وجل هي كصفات المخلوقين فيلزم من ذلك أن نقول: إن الذات تشبه ذوات المخلوقين، ومن هنا وقعوا في اضطراب وحيرة شديدة، لأنهم لا يقولون بتماثل ولا بتشابه الذات، فكيف تختلف الذات وتتحد الصفات مع صفات المخلوقين؟ وهناك فرقة أخرى وهم النفاة الذين أرادوا بزعمهم أن ينزهوا الله تبارك وتعالى، فنفوا عنه هذه الصفات، فقالوا: ليس له عين ولا يد ولا ساق ولا قدم ولا كيت ولا كيت، فلجئوا إلى تأويل النصوص، مع أنه ليس منهجاً للنبي عليه الصلاة والسلام، ولا لأصحابه الكرام، ولا لسلف الأمة، وإنما منهج أهل السنة - وهم أهل العدل والوسطية - أنهم آمنوا بهذه الصفات وأمروها كما جاءت، وفوضوا كيفيتها إلى الله عز وجل، وأما علمها فإنه مستقر معلوم في قلوب أهل السنة والجماعة.