للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سياق ما روي في استحباب الصدقة وقراءة القرآن والاستغفار والترحم والدعاء للميت]

هذا عنوان عريض يحتاج إلى تقريب؛ لأن هذا التبويب يدل بظاهره على أن الميت ينتفع بكل شيء، ولكل أحد أن يقدم خدمة للميت من عبادة أو طاعة.

قال: [عن ابن عباس: (أن رجلاً قال: يا رسول الله! توفيت أمي ولم توص، أفينفعها أن أتصدق عنها؟ قال: نعم)] لكن السائل بالنسبة للمسئول عنه هو ابنها، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (خير مال المرء من كسب يده، وولده من كسبه) فالولد امتداد لأبيه، وأثر من آثاره، وسواء نوى الولد نفع الوالدين بعمله أو لم ينو فهما منتفعان بعمله، لا ينقص ذلك من أجره شيء، كما في حديثه عليه الصلاة والسلام: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً).

إن الذي يأخذ ولده إلى معلم القرآن أو معلم السنة حباً في الله وفي كلامه ودينه وشرعه، ويحرص كل الحرص على أن يتعلم ولده الأخلاق الفاضلة، وأن يتأسى بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام، وأن يتعلم كلام الله تلاوة وحفظاً وعلماً وعملاً وعبادة وغير ذلك، ويتمنى لو أن ولده بلغ في ذلك مبلغاً عظيماً جداً، لا شك أن هذا الأب إذا مات فإن عمل ولده ينفعه، ويسري أجر الولد في عمله الصالح إلى الوالد، فإذا بدر من الولد عملاً سيئاً فلا حظ لأبيه فيه؛ لأنه كان معلوماً من حياته أنه يحرص على أن يعلمه الخير، بخلاف رجل كان يحض ولده على الشر، وعلى معاداة شرع الله، وعلى معاداة السنة واتهامها وانتهاك حرمتها وخدش حشمتها وغير ذلك فإن الولد إذا عمل بهذا الأصل التربوي السيء فإن الوالد يلحقه من كل عمل يعمله الولد حظ وكفل ونصيب؛ لأنه رباه على ذلك واستحبه، بل حمله على ذلك حتى صارت معاداة الشرع ديدناً لهذا الولد.

هب أن الولد تاب من ذلك.

هل ينفع الوالد توبة ولده؟ لا ينفعه؛ لأنه لو كان ينفعه لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الميت يُعذب ببكاء أهله عليه)، وقد قال العلماء وهو أرجح الأقوال في المسألة: هذا إذا كان معلوماً من حياته: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:٣٩].

إذاً: ينظر هل كتب وصية وقال: لو أني مت استأجروا فلانة وفلانة ينحن علي ثلاثة أيام أو سبعة أيام أو عشرة أيام فهذا من سعيه، أو أنه لم يفعل ذلك لكن كان أستاذاً كبيراً، فكان إذا مات أحد من الناس ذهب وأدى واجباً وظل يلطم ويشق الجيوب، فإذا عُلم من حياته أنه يحب ذلك ويفعله، حتى لو لم يوص به فإنه يُعذب ببكاء من ناح عليه؛ لأن هذا كان ديدنه في حياته، من خلال ذلك نقول: لو أن شخصاً قال: يا إخواني! لا يبكي علي أحد ولا ينوح، والذي يريد أن يبكي يبكي بالدمع فقط، أما بكاء وولولة ودعاء جاهلية فأنا بريء من ذلك، فلو أن الناس كلهم ناحوا عليه هل يلحقه شيء من ذلك؟

الجواب

لا يلحقه؛ لأنه قد تبرأ منهم، وأوصى بخلافه.

ومن ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث).

فـ عبد الله بن أبي بن سلول زعيم المنافقين ابنه رجل صالح، فهل ينتفع الأب بعمل الولد الصالح؟

الجواب

لا.

فإذا كنا نحن نقطع الآن بغير رجوع إلى كلام أهل العلم أن الكافر لا ينتفع بعمل ولده المسلم الصالح، فلا بد أن تتفرع على هذا تفريعة أخرى، وهو أن الأب الفاسق العاصي الذي كان يكره الخير ويقبل على الشر لا ينتفع بالخير، وهذا كلام الإمام ابن أبي جمرة وكلام الحافظ ابن حجر والإمام النووي والإمام أحمد بن حنبل وغير واحد من السلف.

[عن ابن عباس: (أن رجلاً قال: يا رسول الله! توفيت أمي ولم توص.

أفينفعها أن أتصدق عنها؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: نعم)] الولد يسأل عن مدى انتفاع الأم بالصدقة، فالولد ينفع أمه في باب الصدقات، وسيأتي معنا خلاف في عبادات أخر؛ لأن الصدقة عبادة، فإذا فعلها المرء تقرباً عن أبيه أو عن أمه انتفع الأب والأم بذلك.

قال ابن عباس: [(إن رجلاً قال: يا رسول الله! توفيت أمي ولم توص.

أفينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: نعم.

قال: فإن لي مخرفاً فأشهدك أني قد تصدقت به عنها)] والمخرف: هي الأرض المثمرة.

أي: أن لي بستاناً ونحن في وقت جني ثماره، فأشهدك يا رسول الله! أني قد تصدقت بثمار هذه الأرض عن روحها.

هذا الحديث أخرجه البخاري.

[عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن أمي افتلتت)] أي: ماتت فجأة، أي أنها لم تكن متوقعة أنها تموت، فإذا كان الشخص مريضاً بمرض خبيث وهو نائم على الفراش، وكل يوم يزداد سوءاً، فلا بد أنه سيتوقع في هذا المرض الموت، بخلاف شاب قوي، فهذا في الغالب لا يتوقع الموت في هذه اللحظات، ولا مانع أن يصح المريض وأن يموت الصحيح، لك