للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرؤية القلبية والفؤادية تكون حسب عبادة العبد وتقواه لله عز وجل]

قال شيخ الإسلام: ولكن الذي يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله، ويقين القلوب ومشاهدتها وتجلياتها على مراتب كثيرة، قال النبي عليه الصلاة والسلام لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان قال: (الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، فرؤية الله عز وجل لعباده رؤية حقيقية، وما الذي يمنع أن يرى عباده وهو سبحانه وتعالى البصير؟ فهنا يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الرؤية القلبية والفؤادية تكون حسب عبادة العبد وتقواه لله عز وجل.

وبعد أن ذكر إجماع الأمة أن أحداً لا يرى الله عز وجل بعيني رأسه، لا نبي مرسل، ولا ملك مقرب، ولا عبد من العباد، قال: لكن من الممكن الرؤية المنامية، والرؤية القلبية، والتجليات، وتحصل لواحد من العباد حسب تقواه وإيمانه وورعه وعبادته وطاعته لله عز وجل.

واستدل على ذلك بحديث: (ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه) قال: فرؤية المؤمن لله عز وجل بقلبه أو مناماً جائزة ولا مانع منها، وذلك حسب إحسان العبد، يعني: أن يكون مسلماً، وأن يكون مؤمناً محققاً الإيمان بكماله وأعلى درجاته، والذي فوق ذلك هو الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه عياناً، ولما كان ذلك محالاً قال: اعبده كأنك تراه.

قال: وإحالة الرؤية بالعين للعبد لا ينفي أن العبد يرى ربه بعين قلبه أو بعين فؤاده، وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة، على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحاً لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه.

يعني: رأى صورة ناقصة.

قال: ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة، ولها تعبير وتأويل؛ لما فيها من الأمثال المضروبة بالحقائق، وقد يحصل لبعض الناس في اليقظة أيضاً من الرؤيا نظير ما يحصل للنائم في المنام، فيرى بقلبه مثل ما يرى النائم، وقد يتجلى في الحقائق ما يشهده بقلبه، فهذا كله يقع في الدنيا.

وهذا الكلام إذا عرفه الصوفية طار فرحاً، وسيكون شيخهم الكبير هو ابن تيمية مع أنه العدو اللدود لهم، فهذا الكلام يوافق هواهم، ويوافق مذهبهم ومعتقدهم.

قال: وربما غلب على أحدهم ما يشهده قلبه، وتجمعه له حواسه؛ فيظن أنه رأى ذلك بعيني رأسه، حتى يستيقظ فيعلم أنه منام، وربما علم في المنام أنه منام.

فهكذا من العباد من يحصل لهم مشاهدة قلبية تغلب عليه حتى تفنيه عن الشعور بحواسه، فيظنها رؤية بعينه وهو غالط في ذلك، وكل من قال من العبّاد المتقدمين أو المتأخرين أنه رأى ربه بعيني رأسه فهو غالط في ذلك بإجماع أهل العلم والإيمان.

فكلام ابن تيمية هذا كله نخلص منه إلى أن الرؤية بالعين مستحيلة.