وعبد الله بن الأريقط كان كافراً في ذلك الوقت، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام استعمله واستخدمه في الاستعانة به في الدلالة على الطريق، ولذلك ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الاستعانة بالكافر أو المشرك في قضاء بعض الأعمال والمصالح، كما ذهب إلى ذلك بعض أهل العلم في حال غزو العراق للكويت، واستخدموا بلاد الكفر بأسرها، ونزلوا أرض الجزيرة، ويحتجون في ذلك باستعانة النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الرجل وهو عبد الله بن الأريقط في الدلالة على الطريق.
وعلى أية حال هذا كلام سبق به أهل العلم، وقضية الاستعانة بالكافرين هي محل نزاع طويل بين أهل العلم، وقد ذكر هذا الخلاف غير واحد من أهل العلم، وتوسع فيه جداً الإمام الشوكاني، وكذلك الصنعاني وابن تيمية عليهم جميعاً رحمة الله عز وجل.
أما القائلون بجواز الاستعانة فإنهم يحتجون بهذا الحديث وبغيره من الأدلة التي يفهم منها فهماً بعيداً جواز الاستعانة، وبعضهم يمنع مطلقاً، والبعض يقول: يجوز الاستعانة بالمشرك إذا كان في موطن الذل والصغار، وأنه لا تأثير له على المسلم بعد ذلك، وأن دوره ينتهي بمجرد أداء مهمته، وقيدوا ذلك بشروط طويلة كثيرة، وأظن أن هذا أرجح الأقوال.
فالنبي عليه الصلاة والسلام لما استعان بهذا الرجل استعان به فقط في الدلالة على الطريق، في حين أن جانبه مأمون ولا خوف منه، وأن مهمته تنتهي بانتهاء هجرة النبي عليه السلام أو معرفته للطريق.
فقد أتى النبي عليه الصلاة والسلام رجل مشرك يريد أن يحارب معه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:(ارجع.
فإنا لا نستعين بمشرك)؛ لأن الدلالة على الطريق بخلاف المشاركة في الغزو والجهاد، فقد أراد هذا المشرك أن يشارك في الغزو والقتال، فرده عليه الصلاة والسلام، فكيف يؤذن لهؤلاء القوم بدخول أرض الجزيرة التي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه لا يجتمع بالمدينة -أي: بالجزيرة- أهل دينين ولا يجتمع فيها أهل ملتين سواء، فهؤلاء إنما حرصوا كل الحرص من أول الأمر على أن يكون لهم وجود بعد أن فشلوا سنوات طويلة في عهد سعود ومن بعده فيصل ومن بعد فيصل خالد، ولكنهم نجحوا في هذا العهد، وهذه قصة معلومة وأمر مدروس بين هؤلاء القوم وبين العميل الكبير صدام حسين، فهؤلاء القوم دخلوا هذه البلاد للسيطرة الكاملة على حقول البترول أولاً، ثم لاعتقادهم أن أرض الجزيرة تئول إليهم في آخر الزمان وقبل نزول المسيح عليه السلام.
هكذا معتقدهم.
ولذلك تنبه لذلك كثير من أهل العلم، فقال الشيخ الألباني عليه رحمة الله: إن هؤلاء إنما أتوا لاسترداد خيبر، والعجيب أن هذا الكلام يردده هؤلاء الآن في أرض الجزيرة، يقولون: لا نخرج منها وقد دخلناها إلا بعد أن نسترد خيبر كما سلبت منا، وهذا كلام تنبه له الشيخ الألباني وغيره من أهل العلم، وكان هذا فيضاً من فيوضات الرحمن تبارك وتعالى على أهل العلم، فهؤلاء لهم مطامع عظيمة جداً، وهم اليهود والنصارى، فقد كانت مطامعهم من قبل من النيل إلى الفرات، ولكن الآن مطامعهم أن يكون العالم كله تحت سيطرتهم وتحت أمرهم.
الأمر الثاني: أن غالب البترول في أمريكا الذي كانوا يحتضنونه منذ خمسين عاماً تحت الأرض أوشك على النفاد، فلابد من بترول وإلا ستضيع أمريكا وستضيع سيطرة أمريكا والنظام العالمي الموحد، فإنها من جهة أرادت أن تحقق مكسباً اعتقادياً بسيطرتها على الأرض، والأمر الثاني: أرادت أن تبقى السيطرة والزعامة هناك، ولا تبقى هذه السيطرة ولا تلك الزعامة إلا ببقاء مسوغات الحياة بوجود البترول فيها.