[قول الحسن البصري في إثبات القدر]
قال: [وعن نعيم العنبري -وكان من جلساء الحسن البصري - قال في قول الله عز وجل: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا} [الكهف:٨٢] قال الحسن: لوح من ذهب مكتوب فيها: عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن؟ وعجبت لمن آمن بالموت كيف يفرح؟ وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها؟ لا إله إلا الله محمد رسول الله].
هذا تفسير الحسن البصري رحمه الله لقوله تعالى: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا} [الكهف:٨٢] ولكن هذا التفسير مردود؛ لأنه من علم الغيب، ولا يتكلم أحدٌ في الغيب إلا بخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
قال: [وقال تمام بن نجيح: سمعت الحسن وقد أتاه رجل فأخذ بعنان دابته فقال: أيها الضال المضل حتى متى تضل الناس؟].
واحد اعترض للإمام الحسن البصري وأخذ بلجام دابته وقال: أيها الضال المضل! فهو يوجه الكلام للحسن البصري فيقول له: أنت ضال مضل.
ثم قال له: إلى متى تضل الناس؟ قال: [قال: وما ذاك؟ قال: تزعم أن من قتل مظلوماً فقد قُتل في غير أجله؟ قال الحسن: فمن يأكل بقية رزقه يا لكع! خل الدابة.
قتل في أجله].
أي: اترك الدابة لقد قُتل في أجله وأنا ما قلت ذلك.
قال: [فقال الرجل: والله ما أحب أن لي بما سمعت منك اليوم ما طلعت عليه الشمس].
أي: أن أحب شيء إلي هو هذا الكلام الذي سمعته منك الآن.
قال: [وقال أبو خلدة: سمعت الحسن يقول: الشقي من شقي في بطن أمه].
أي: من كُتب عليه الشقاء وهو في بطن أمه.
وهذا لا يردنا عن العمل الصالح، لأن الشبهة هذه دخلت على الصحابة أيضاً رضي الله عنهم.
أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! إن ما نحن فيه اليوم أمر قد فُرغ منه أم بعد؟) أي: أنه قد قُدر علينا وانتهى أم ليس مقدراً بعد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بل أمر قد فُرغ منه، فقال الرجل: ففيم العمل إذاً؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اعملوا.
فكل ميسر لما خُلق له) فأنت لا تعتمد على ما قُدر لك، فهل تعرف ما الذي قدره الله عز وجل لك؟ أتعرف إذا كنت من أهل الشقاء أم من أهل السعادة؟ فمن الطبيعي أنك تحرص أن تكون من أهل السعادة، والذي يحرص أن يكون من أهل السعادة يأتي الطاعات ويترك المنكرات، وهي أسباب السعادة، فإذا اجتهد المرء في ذلك ولم يوفق وارتكب النهي واقترف المعصية واكتسب الإثم والوزر فكل هذا سبب في الشقاء، فالطاعة بأسباب والمعصية والشقاء بأسباب، وهذه الأسباب مقدرة، والله تبارك وتعالى علمها من عبده فقدرها عليه، فحينما كان الواحد منا لا يعلم ما هو مكتوب له في اللوح المحفوظ وهل هو من أهل الشقاء أم من أهل السعادة، فطبيعي أنه سيحرص على أن يكون من أهل السعادة فيأتي أسباب السعادة، فإذا تنكب الطريق فقد أتى الأسباب التي تؤهله لدخول النار.
قال: [وقال عاصم: سمعت الحسن يقول في مرضه الذي مات فيه: إن الله قدر أجلاً، وقدر معه مرضاً، وقدر معه معافاة، فمن كذب بالقدر فقد كذب بالقرآن، ومن كذب بالقرآن فقد كذب بالحق.
وقال الحسن: من كذب بالقدر فقد كذب بالإسلام.
ثم قال: إن الله خلق خلقاً فخلقهم بقدر وقسم الآجال بقدر، وقسم أرزاقهم بقدر، والبلاء والعافية بقدر].
أي أن كل شيء في الدنيا لا بد أن يكون بقدر حتى البصمة التي ذكرناها في يد علي بن أبي طالب أيضاً مكتوبة في اللوح المحفوظ.