للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كلام ابن الجوزي عن افتراق النصارى]

قال: أما أمة النصارى فإن الله تعالى بعث عبده ورسوله المسيح ابن مريم عليه السلام فجدد لهم الدين -أي: دين بني إسرائيل الذي كانوا عليه في زمن موسى عليه السلام- وبين لهم معالمه، ودعاهم إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وإلى التبري من تلك الأحداث والآراء الباطلة، فعادوه وكذبوه.

وما من نبي أرسله ربه إلا وكُذب، وراموا قتله -أي: قصدوا إلى قتل عيسى عليه السلام- فطهره الله تعالى منهم، ورفعه إليه، ولم يصلوا إليه بسوء ولا شر، وأقاموا له أنصاراً دعوا إلى دينه وشريعته حتى صار دينه قائماً على من خالفهم، فدخل فيه الملوك، وانتشرت دعوته، أي: دعوة عيسى عليه السلام، واستقام الأمر على السلام بعده نحو ثلاثمائة سنة، يعني: أن الناس كانوا على دين عيسى عليه السلام ثلاثمائة سنة، ثم دخل بعد ذلك الفساد والانحراف والأهواء والابتداع، ثم أخذ دينه في التبدل والتغيير حتى تناسخ واضمحل، أي: لم يبق منه شيء، ولم يبق في أيدي النصارى منه شيء، بل ركبوا ديناً بين دين المسيح ودين الفلاسفة عباد الأصنام، يعني: أي كتاب كان يعجبهم كانوا يكتبونه بأيديهم، ثم ينسبون هذا إلى عيسى عليه السلام، وأن هذا دينه الذي أتى به، وراموا بذلك أن يتلطفوا للأمم حتى يدخلوا في دين النصرانية، وهذه مصيبة، فـ (من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس)، يعني: أنهم أحبوا أن يدخلوا الوجهاء وأصحاب الملك وغير ذلك في دين عيسى، فأخذوا معتقدات هؤلاء الملوك وكتبهم ونسبوها لعيسى عليه السلام؛ ليدخلوا السرور على هؤلاء الملوك بأنهم موافقون لدين عيسى عليه السلام حتى يدخلوا في دين عيسى.

قال: فنقلوهم من عبادة الأصنام المجمدة إلى الصور التي لا ظل لها، ونقلوهم من السجود للشمس إلى السجود إلى جهة المشرق، ومع ذلك فيهم بقايا من دين المسيح كالختان والاغتسال من الجنابة وتعظيم الميت، وتحريم الخنزير، وتحريم ما حرمته التوراة إلا ما أحل لهم الإنجيل من ذلك.

يعني: أن الختان كان من دين عيسى عليه السلام، وهو بقية من دين عيسى، وهذا بعد مرور ثلاثمائة سنة من رفع عيسى عليه السلام، فظل الناس ثلاثمائة سنة على شريعة عيسى عليه السلام، ثم دخل التغيير، وبعد دخول التغيير وتحريف نصوص الإنجيل بقيت عندهم بقية مما أمرهم به عيسى عليه السلام، وهذه البقية: الختان والاغتسال من الجنابة، وتعظيم الميت، وتحريم الخنزير، والخنزير الآن علامة على النصرانية، والصليب علامة على النصرانية، وهذا الصليب لا يعرف عنه عيسى عليه السلام شيئاً؛ لأن الصليب ما اتخذ إلهاً إلا بعد رفع عيسى، ولو كان النصارى أذكياء لكان الصليب بالنسبة لهم معرة؛ لأنه هو الذي صلب عليه عيسى كما يزعمون، فهم يزعمون أن عيسى صلب على الصليب وقتل، وأنا لو عرفت أن نبياً صلب على هذا الجدار فسأهد الجدار؛ من أجل أن أمسح هذا العار، لا أنني أتخذه إلهاً، إذ كيف أتخذ هذا الجدار إلهاً وقد صلب عليه نبي؟ فعيسى عليه السلام لا يعرف عن الصليب شيئاً؛ لأنه اتخذ بعد رفعه عليه السلام.

وأما الخنزير فإن عيسى عليه السلام حرم الخنزير على أمة النصارى، وهم اتخذوه طعاماً لهم.

قال: وتحريم ما حرمته التوراة؛ لأنكم تعلمون أن الإنجيل ودين عيسى عليه السلام متمم لدين موسى عليه السلام.

ثم تناسخ شرعه -أي: ثم تناسخ شرع عيسى- حتى استحلوا الخنزير وأحلوا السبت وعوضوا عنه يوم الأحد، وتركوا الختان والاغتسال من الجنابة، وكان المسيح يصلي إلى بيت المقدس وهم صلوا إلى المشرق، ولم يعرف المسيح الصليب قط، وهم عظموا الصليب، بل عبدوه ولم يصم المسيح صومهم هذا أبداً، ولم يشرعه لهم، ولم يأخذ به البتة، بل هم وضعوه على هذا العدد، ونقلوه إلى زمن الربيع، وجعلوا ما زادوا فيه من العدد عوضاً عن نقله من الشهور الهلالية إلى الشهور الرومانية أو الرومية، وكان المسيح في غاية الطهارة ونهاية النظافة، وأبعد الخلق عن النجاسة، وهم تعبدوا بالنجاسة.

وتصور أن النصارى يتخذون النجاسة قربة تقربهم إلى الله، والله لم يأمرهم بهذا، ولا أمرهم أحد من الأنبياء بهذا، فهم لا يغتسلون من الجنابة، مثل الفنانين والفنانات وأصحاب الفكر المنحرف، يقول الواحد منهم: أنا أغتسل في كل شهر مرة، وأما المسلمين فحتى الذي ليست له زوجة، أو التي ليس لها زوج إذا بلغت لا يحل لها أن يمر عليها سبعة أيام دون أن تغتسل مرة.

يعني: أقل الغسل أن يكون مرة في كل أسبوع لمن لم يكن به جنابة وهذا أقل شيء، وأما هؤلاء الذين يبدون في غاية الجمال والرونق من الممثلين والممثلات فحظهم من الجمال الصور فقط، وإذا جلست مع الواحد أو الواحدة منهم فلا بد أن تشم منه رائحة النتن والعفن، فهم في صورهم ومناظرهم يبدو منهم الجمال، وهم في حقيقة أمرهم في غاية النتن، ويكفي أن الواحد منهم أو الواحدة منهن لا تعرف أو لا يعرف عن دينه شيئاً لا من قريب ولا من بعيد، وهذا نتن في الفكر والاعتقاد.

وهم يحيون في بيوتهم حياة دون حياة الحيوان في جميع ضروبها، وقد تجد أحداً ينظر إلى امرأة جميلة منهم فإذا سألت