إن الكلام والبصر والسمع والجري وغير ذلك مما يفعله العبد بالليل والنهار في جميع أوقاته، كل ذلك مخلوق، بمعنى: أن حركة لساني الآن وأنا أتكلم وأنت ترد علي، بل حركة عقلك عندما أتكلم وأنت تفهمني؛ هذا الفهم مخلوق وليس أزلياً؛ لأنك أنت نفسك لست أزلياً، فكيف يكون الفهم أزلياً؟ فهنا نقول: إن أفعال العباد مخلوقة، والأئمة عندما تعرضوا لمسألة خلق القرآن أنكروا ذلك تماماً وحكموا بالكفر على من يقول: القرآن مخلوق، ولكنهم اختلفوا في مسألة اللفظ، فجمهور أهل السنة لم يتعرضوا لمسألة اللفظ، وهناك فرق كبير بين اللفظ بالقرآن والتلفظ بالقرآن، فمن قال: إن لفظي بالقرآن مخلوق فقد أخطأ، ولو قال: إن تلفظي بالقرآن مخلوق فقد أصاب؛ لأن اللفظ اسم، وهو يدل على الملفوظ وهو القرآن الكريم، فإذا قلت: إن لفظي بالقرآن مخلوق فكأنك -ولو كان ذلك على سبيل الإشارة- تقول: القرآن مخلوق.
أما إذا قلت: إن تلفظي، يعني: حركة لساني وإخراج الصوت من فمي أو من صدري مخلوق، بمعنى: أنه حادث؛ فهذا لا بأس به.
إنك تقرأ في حاشية هذا الكتاب أن الناس اختلفوا في مسألة القرآن، فمنهم من قال: هو مخلوق، ومنهم من قال: غير مخلوق، ومنهم من قال بالتوقف، يعني: توقف ولم يتكلم لا بهذا ولا بذاك، ومنهم من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، ثم يرجح المحقق أن مذهب أهل السنة والجماعة هو الصحيح وما عداه باطل، وهو أن القرآن كلام الله غير مخلوق وسيرد على من قال بمسألة اللفظ.