إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: فلا يزال الكلام موصولاً عن صفات الله عز وجل، وصفات الله تعالى إما ذاتية وإما فعلية.
فالصفات الذاتية هي: الصفات اللازمة لذاته التي لا تنفك عنه.
بمعنى: أنها لا تخضع لمشيئته، إن شاء فعل وإن شاء ترك، بل هي صفة ذاتية لازمة لله عز وجل: كصفة اليد، والعين، والساق، والقدم، وغيرها من الصفات.
وأما الصفات التي تخضع لمشيئته فيسميها أهل العلم بصفات الأفعال، إن شاء فعل وإن شاء ترك، وفعله تبارك وتعالى لا منتهى له، وهو مع ذلك خاضع لمشيئته وإرادته، فإذا أخبر أنه استوى، فالاستواء فعل لله عز وجل، يستوي كيف شاء، في أي وقت شاء، وإذا أخبر أنه ينزل إلى السماء الدنيا، أو يدنو من عباده، أو يقترب منهم؛ فهذه كلها أفعال يفعلها في أي وقت شاء، وفي أي زمان ومكان شاء، وإن شاء ألا ينزل لا ينزل، بدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام حدد وقت النزول للمولى تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، وهذا يدل على أنه ليس في كل وقت ينزل، وإن أراد أن ينزل في كل وقت لفعل، لكن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أنه ينزل في أوقات معلومة، وأعظم هذه الأوقات هو يوم عرفة، فيدنو من عباده في يوم عرفة فيغفر لهم، وينزل في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لعباده الصالحين كذلك، بل وينزل كل ليلة إذا بقي الثلث الأخير من الليل، فينادي على عباده ويتودد ويتحنن إليهم، هل من داع فأجيبه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ ويظل ينادي على عباده حتى ينبلج الفجر.
والكلام عن صفة النزول قد تعرضنا له من قبل وكذا الاستواء، وقلنا: إن معتقد أهل السنة والجماعة في صفات الأفعال كمعتقدهم في صفات الذات، فكما أنهم أثبتوا اليدين والعينين لله عز وجل على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى دون تشبيه ولا تعطيل، فكذلك قالوا في صفات أفعال ربنا تبارك وتعالى، فإنه يأتي، يجيء، لكن ليس كإتيان البشر، وليس كمجيء المخلوقين، وكما أن الله تعالى لا تُعلم كيفية ذاته، فكذلك لا تُعلم كيفية صفاته التي منها: المجيء والنزول والاستواء والغضب والرضا والفرح وغير ذلك من بقية صفات الأفعال، فلا يعلم كيفيتها إلا هو سبحانه، لكننا نوقن أنه يفرح، وأنه يغضب إذا انتهكت محارمه، ويأتي وينزل إلى سماء الدنيا، فنوقن بكل ما ورد في الكتاب والسنة على ما أخبر به مالك وأم سلمة وربيعة الرأي أنهم قالوا: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
أي: السؤال عن كيفية الصفة.
ولذلك قال أحمد: من قال لك: كيف استوى؟ فقل له: كيف هو؟ لأن الصفات تصور عن الذات، والكلام في الصفات يستلزم الكلام في الذات، فإذا كنت تقر بأنك تجهل ذات الإله، فلا بد وأنك كذلك تجهل كيفية صفات ذلك الإله سبحانه وتعالى، فالذي لا يستطيع أن يتكلم، وأن يصف ذات الإله، لا بد وأن يلتزم الصمت في وصفه لأفعال الله عز وجل.