[لا يصح قول وعمل ونية إلا بالسنة]
قال: [ثنا أبو حيان البصري قال: سمعت الحسن: لا يصح القول إلا بعمل].
يعني: مهما قلت إذا كنت لا تعمل فإنه لا نجاة، ولا يصح هذا القول، بل لابد أن يكون القول مع العمل.
ولذلك يقول علي بن أبي طالب: هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.
فالعلم ينادي: اعمل بي وإلا تركتك.
ولذلك خير سبيل للمحافظة على العلم أن تعمل به، كما قال بشر الحافي عليه رحمة الله: يا أهل الحديث! أدوا زكاة الحديث، اعملوا من كل مائتين بخمسة.
فشبه العلم بالمال.
فلو أن العلم كالمال فاعمل بهذا العلم على قدر ما تخرج من زكاة المال؛ من كل مائة اثنين ونصف، فلما لم يمكن تجزئة الحديث قال: اعملوا من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث.
[قال الحسن: لا يصح القول إلا بعمل، ولا يصح قول وعمل إلا بنية؛ لأن الأعمال بالنيات، ولا يصح قول وعمل ونية إلا بالسنة].
فكم من إنسان يعمل بنية صالحة خالصة ولكن عمله غير مستقيم فلا يقبل منه! وكم من إنسان عمله مستقيم -يعني: صحيح- ولكنه غير مخلص فيه، فكذلك لا يُقبل منه، فإذا صلى المرء رياءً لا تُقبل تلك الصلاة منه، ولكنها تصح إذا استوفت أركانها وشروطها.
فلو أن شخصاً صلى فقام قياماً صحيحاً، ركع واطمأن، قام فاعتدل، سجد فاطمأن، جلس بين السجدتين فعل ذلك في كل ركعة، وكان من قبل متوضئاً وضوءاً صحيحاً، فإن هذه الصلاة قد استكملت أركانها وشروطها، فهي صحيحة، ولكن إن راءى بها صاحبها فإنها لا تُقبل عند الله، ولا أجر له فيها، ولكن لأهميتها أنها تُسقط عن العبد أن يطالب بإعادة الصلاة مرة أخرى، ولكن لا ثواب له فيها؛ لأن هذا العمل خلا من نية صالحة.
ولو أن العبد صلى لله عز وجل لا يبتغي شهرة ولا رياء ولا سمعة؛ لأن من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به.
ولو أن العبد صلى لله عز وجل لا يريد بذلك مدح الناس ولا ثناءهم، ولكنه صلى على غير هدى، نقر الصلاة نقر الغراب أو نقر الديك، أو التفت فيها التفات الثعلب، أو أنه لم يتقنها ولم يحسنها، أو لم يأت بركن فيها، أو أخل بشرط في صحتها، فلا شك أن هذه الصلاة على غير هدي النبي عليه الصلاة والسلام وإن كان مخلصاً فيها؛ لأنها ليست مستقيمة، ولذلك يقول الفضيل بن عياض في قول الله عز وجل: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود:٧].
قال: لا يكون العمل حسناً حتى يكون خالصاً وصواباً.
أي: حتى يكون خالصاً لله، وصواباً على منهج النبي عليه الصلاة والسلام.
ولذلك تواطأت أقوال أهل السنة في كل زمان ومكان، قول الحسن وقول ابن سيرين وقول حفصة وقول الدراوردي وقول ابن المبارك وقول أحمد؛ تشابهت أقوالهم لأن اعتقادهم واحد، ومنهجهم واحد في العلم والعمل فتشابهت أقوالهم؛ لأن المعين الذي يستقون منه جميعاً كذلك واحد، فلابد أن يكون كلامهم واحد.
قال: لا يصح القول إلا بعمل، ولا يصح قول وعمل إلا بنية، ولا يصح قول وعمل ونية إلا باتباع السنة.