[سياق ما روي في النهي عن الكلام في القدر والجدال فيه والأمر بالإمساك عنه]
قال: [عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمر: (أن النبي عليه الصلاة والسلام خرج على الصحابة وهم يتنازعون في القدر هذا ينزع آية وهذا ينزع آية)].
أي: يتخاصمون، فهذا يأتي بآية يثبت بها القدر، وهذا يأتي بآية ينفي بها القدر، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً [(فكأنما فقي في وجهه حب الرمان)].
أي: غضب حتى احمر وجهه.
[فقال: (بهذا أمرتم؟ أو بهذا وكلتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ أنظروا إلى ما أُمرتم به فاتبعوه، وما نُهيتم عنه فاجتنبوه)].
[عن علي بن أبي طالب أنه سئل: يا أبا الحسن! ما تقول في القدر؟ قال: طريق مظلم فلا تسلكه].
أليسوا هؤلاء هم السلف؟ إذاً فالذي يتكلم بالقدر بكلام طويل لا بد وأننا نقول: إن هذا المنهج خلاف ما كان عليه السلف، فأنت مطلوب منك أن تؤمن بالقدر خيره وشره، وأنه من عند الله.
[فقال: يا أبا الحسن! ما تقول في القدر؟] وهنا يكرر السؤال مرة أخرى.
فقال: بحر عظيم فلا تلجه.
فقال: يا أبا الحسن! ما تقول في القدر؟ فقال: سر الله فلا تكلفه].
أي: أن القدر هو سر الله تعالى في الخلق، فلا تتكلف الدخول فيه.
قال: [عن عمر قال: سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم)].
أي: إذا لقيتهم في طريق فاسلك طريقاً آخر، وليس أن تقول: إن هؤلاء عندهم شبهة في القدر فتذهب لمناقشتهم، وتقيم عليهم الحجة، ثم حين تذهب لمناقشتهم ترجع وتقول: فعلاً عنده حق.
وهذه عقوبة من الله عز وجل حول بها قلبك وعقلك وفكرك؛ لأنك خالفت أمره.
ودائماً تجد أهل البدع يتخصصون في بدعتهم فقط، وإن شئت فقل: هو أضل من حمار أهله، فلو ناقشته في الصلاة أو الصوم فإنه لا يعرف شيئاً، فحياته كلها وهمه اجتمع في معرفة القدر وشبهات الخصم والرد عليها، وتكلف تأويل النصوص التي وردت في هذا الباب.
ولذا أريد أن أقول: إنه يعرف كل شيء عن بدعته، فإذا كنت أنت ليس لديك الوقت لأن تعرف في مسألة واحدة مليون دليل وأنت الآن تؤمن بأن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، فلو قلت لك: أعطني دليلين اثنين على ذلك، فإنك لن تستطيع.
فعندما تجلس عند واحد من هؤلاء، كـ إسماعيل منصور ذلك المبتدع الضال الذي كان سنياً، ولعله ينطبق عليه قوله عليه الصلاة والسلام: (ولعل أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها).
فالقلوب بيد الله عز وجل يقلبها كيف يشاء، ويختم لمن يشاء بخاتمة السعادة، ويختم لمن يشاء بخاتمة الشقاوة، فاللهم سلم يا رب.
فهنا حينما تذهب إلى واحد قد ألف أن القبر ليس فيه عذاب ولا نعيم، فإنه سيغلبك عندما تناقشه؛ لأنه رجل متخصص في بدعته، ولذا فإن إسماعيل منصور ما تحول إلى مبتدع إلا لدخوله في مناظرات أهل البدع دون أن يتخصص فيها، فقد دُعي للسفر إلى أمريكا ليناظر رجلاً يدعي الألوهية، فلما أتى ما في جعبته ولم يستجب ذلك الإله المزعوم تحول إلى رجل آخر يدعي النبوة، فتأثر ببعض ما عنده، وما تلك النوازح التي تنزح من بئر إسماعيل منصور إلا من مخلفات النقاش مع المجرم الكبير رشاد المصري الأمريكي الذي زعم أنه لا إله، وأنه نبي ملهم.
قال: [عن ابن سيرين قال: إن لم يكن أهل القدر من الذين يخوضون في آيات الله، فلا أدري من هم؟].
قال: [عن ابن عباس قال: باب شرك فُتح على أهل الصلاة: التكذيب بالقدر] أي: فُتح على أهل القبلة وأهل الإيمان باب من أبواب الشرك، وهو الخوض في القدر [فلا تجادلوهم فيجري شركهم على أيديكم].
أي: لا تناظروهم ولا تخوضوا معهم حتى لا تتأثروا بهم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً.