للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المقصود من اسم الإيمان الوارد في الكتاب والسنة]

أنا أريد أن أقول: إن مصطلح الإيمان أو اسم الإيمان واسم الكفر أو الفسوق أو العصيان وضعت لمعانٍ معينة.

أما ما ورد في الكتاب والسنة باسم الإيمان فإنما ورد في معرض المدح لا في معرض الذم، وأن هذا المصطلح إنما وضع للأعمال والمعتقدات، مما يدل على أن الأعمال داخلة في الإيمان؛ لأنه لما تكلم الله عز وجل في غير ما موطن من كتابه عن المؤمنين تكلم لا عن ذات المؤمنين وإنما عن السبب الذي مدح به المؤمنون، وهو أنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم عن اللغو معرضون، وغير ذلك من صفات المؤمنين، فالمدح إنما انصب على عملهم.

أما هم فهم في الجنة والسبب أعمالهم التي هي داخلة في مسمى الإيمان أو في حقيقة الإيمان، وهذا بخلاف غيرهم ممن أوردهم الله عز وجل على سبيل الذم، وهم المنافقون، والكافرون، والعصاة، ولكل واحد منهم منزلة في النار، أو يعفو الله عز وجل عن عصاة الموحدين، فهو يفعل ما يشاء سبحانه وتعالى.

فالمؤلف رحمه الله أراد أن يبين في هذا الباب أن مصطلحات معينة في الشرع وضعت، منها ما وضع للمدح كمصطلح الإيمان، ومنها ما وضع للذم كمصطلح الفسوق والعصيان والنفاق والكفر.

أما الإيمان فإنما هو اسم مدح لأهله؛ لأنهم عملوا كيت وكيت من الأعمال الصالحة، وأما مصطلحات الفسوق والعصيان والفجور والنفاق والكفر فكلها مصطلحات ذم وضعت لأقوام عملوا لمعصية الله عز وجل، وعدد بعض الصفات التي استوجبت لأصحابها النار، كما أنها استوجبت لأصحابها اسم الفسوق أو العصيان أو النفاق أو الفجور أو الكفر، وغير ذلك من سائر المصطلحات التي تستوجب النار أو يعفو عنها الغفار تبارك وتعالى.

قال الله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} [السجدة:١٨]، أي: أفمن كان مؤمناً من الناس يعمل الطاعات وينتهي عن المعاصي كمن كان فاسقاً، والفاسق: هو من ارتكب كبيرة أو أصر على صغيرة، سواء من جهة الميل القلبي أو من جهة العمل، أي: عمل الجوارح.

فإن الذي يزني لا بد أن يسلب عنه حين الزنا اسم الإيمان، ولذا فإننا نفرق دائماً بين مطلق الإيمان والإيمان المطلق.

أما مطلق الإيمان فهو أصل الإيمان الذي استقر في القلب وقت النطق بالشهادتين، وهذا الإيمان الذي هو من عمل القلب إذا زال عن المرء زال عنه تماماً اسم الإيمان والإسلام.

أما الإيمان المطلق فهو كمال الإيمان وتمامه، إما كماله الواجب أو كماله المستحب، فالكمال نوعان: إما كمال واجب يتعلق بالحلال والحرام وغير ذلك من سائر الفرائض والأركان الشرعية، وإما كمال مستحب يتعلق بسائر النوافل.

فمن أدى الفرائض وحرم الحرام وأحل الحلال وعمل بالأمر وانتهى عن النهي فإنما يكون قد أدى الكمال الواجب في الإيمان المتعلق بالجوارح، وأما إذا زاد عن ذلك فعمل النوافل وتقرب إلى الله عز وجل بسائر المستحبات فإنما قد حقق الإيمان الكامل أو قد بلغ حقيقة الإيمان؛ ولذلك لما أثنى الله تعالى على المؤمنين بأعمالهم قال في نهاية مدحه لهم: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال:٤] يعني: هؤلاء الذين بلغوا حقيقة الإيمان، وكمال الإيمان، وتمام الإيمان، لأنهم فعلوا أعمالاً صالحة.