الأدلة على إثبات أن لله وجهاً يليق به سبحانه
قال: [قال الله عز وجل: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٧]].
هذه الآية أثبتت أن لله وجهاً، لكن هل وجه الله عز وجل كوجوه المخلوقين؟ من أراد أن يشبه وجه الله عز وجل بوجهه نقول له: لم اخترت لله عز وجل بالذات أن يكون وجهه كوجه بني آدم، فجميع المخلوقات لها وجوه؛ فلم لم يختر المولى عز وجل أن يكون وجهه كوجه غير بني آدم من المخلوقات؟ إذا طرح عليه هذا السؤال لابد أنه سيعجز عن الجواب، فإذا قال: إن الله تعالى يخاطب بني آدم فقط، وأنه يخاطبهم بما يعرفون، وإنما يعرفون من أنفسهم الوجه.
نقول: لو كان وجه الله عز وجل كوجهك للزم أن يكون من ذلك أن ذاته كذاتك، فهل تقول بذلك؟ لابد أنه سيقول: لا.
إن ذات الإله عز وجل تختلف عن ذوات المخلوقين جميعاً من بني آدم وغيرهم.
فنقول: وكذلك صفاته تختلف عن صفات المخلوقين، ومنها الوجه.
ولذلك الذين أولوا الوجه بالنعمة ليس لديهم حجة ولا برهان، والذين قالوا: إن الوجه هو الذات: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٧] قالوا: المراد هنا بالوجه: الذات العلية.
نقول لهم: إن هذا تأويل باطل وفاسد كذلك؛ لأنك إذا قلت: إن الوجه هو الذات لابد أنك تنفي عن الله عز وجل حقيقة الوجه؛ لأن الوجه عندك هي الذات، ولو قلت بذلك للزمك أن تنفي عن الله عز وجل صفة الوجه، وهذا طبعاً كلام لا يقول به إلا خلفي متأول، أما السلف فإنهم أثبتوا لله تبارك وتعالى الوجه وقالوا: المراد بالوجه هو وجه الرحمن تبارك وتعالى، فأثبتوا الوجه على النحو الذي يليق بجلاله وكماله، ولم ينفوه بتأويل الخلف أن الوجه هو الذات؛ لأن الذي يقول: الوجه هو الذات يقول: لا وجه؛ لأن الوجه عبارة عن ذات الإله، وهم ظنوا أنهم ينزهون المولى عز وجل عن مشابهة المخلوقين.
فما الذي حدا بهم إلى هذا التمثيل وهذا التشبيه؟ وما الذي يمنعهم أن يثبتوا لله تعالى ما أثبته لنفسه على الوجه اللائق به سبحانه، ويؤمنون بذلك.
صفة الوجه ثابتة بالله عز وجل، ليس كوجوه المخلوقين، وليس الوجه هو ذات الله عز وجل؛ لأن هذا تأويل الخلف، فيحرم أن تصرف صفة من صفات الله عز وجل عن معناها وعن حقيقتها التي أرادها المولى عز وجل منك، كما يحرم عليك أن تؤولها وأن تلوي عنقها لتصرفها عن ظاهرها.
قال: [وقال الله عز وجل: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:٨٨]].
فأثبت كذلك في هذه الآية أن له وجهاً سبحانه وتعالى.