للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سياق ما روي في قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)]

ونحن بصدد ضرب بعض أدلة استواء الله تباك وتعالى على عرشه، فاستواء سليمان على العرش، واستواء بلقيس على العرش، واستواء أي ملك على عرشه يختلف تماماً عن استواء المولى تبارك وتعالى؛ لأن استواء المخلوقات يتناسب مع ضعف وعجز ونقص هذه المخلوقات، أما استواء المولى تبارك وتعالى فلا شك أنه على الوجه الأكمل الذي يتناسب مع كمال صفاته تبارك وتعالى، وإن كان الجميع يسمى: استواء.

فليس استوائي هذا على الكرسي وأنا مماثل له كاستواء المولى تبارك وتعالى على عرشه، فإن هذا استواء يليق بالله عز وجل، واستوائي على الكرسي يليق بذلك الضعف البشري الذي خلقت له ومن أجله.

وقد ذكر الإمام اللالكائي باباً وسرد فيه أدلة استواء الرحمن على العرش، فقال: [سياق ما روي في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، وأن الله على عرشه في السماء]، فهل كلمة (على) هنا تستلزم المماسة؟ هذا الذي فهمه أصحاب الفرق الضالة.

فقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، قالوا: (استوى) بمعنى: استولى، ولنا وقفة مع هذا التفسير.

الوقفة الأولى: قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، هل يلزم من هذا الحرف (على) أن الله تعالى مماس وملاصق للعرش؟ فإذا قلنا ذلك فإنه يلزمنا أن نقول: إن العرش يحمله، وهو سبحانه وتعالى منزه عن ذلك، فهو أكبر من العرش، وأكبر من جميع المخلوقات؛ فلا يحمله خلق من خلقه تبارك وتعالى، وإنما نقول: إن الله تعالى علا فوق العرش، أي: خلق الأرضين وخلق السماوات السبع، وجعل فوق السماء السابعة بحراً، وفوق البحر الكرسي، وفوق الكرسي العرش، والله تعالى فوق العرش، ليس مماساً له سبحانه وتعالى؛ لأنه منزه أن يلتصق بأحد من مخلوقاته.

قال: (وأن الله على عرشه في السماء)، قولنا: (في السماء) لا تستدعي الظرفية كذلك، بل (في) بمعنى (على)؛ لأن المتفق عليه أن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض، فقوله: (في) يعني: (على)، أي: وأن الله على عرشه على السماء، بمعنى: فوق السماء؛ لأن (على) تفيد العلو والفوقية، فـ (في) هنا بمعنى (على)، أي: على السماء؛ ومثلها قوله تبارك وتعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:٧١]، فهل يتصور أن ذلك المجرم يدخل غيره في جذع النخلة حتى يعاقب ويصلب؟

الجواب

لا، ولكن التقدير: ولأصلبنكم على جذوع النخل، فـ (في) بمعنى (على).

إذاً: قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ} [طه:٥]، أي: فوق العرش، وأن الله على عرشه في السماء، يعني: على السماء، فهذه الحروف إنما تفيد الفوقية والعلو.