[مناقشة الأدلة التي تثبت صفة اليد الشمال لله تعالى]
أولاً: أن حديث عبد الله بن عمر عن مسلم الذي فيه لفظة: (الشمال) تفرد بها عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه، وعمر بن حمزة ضعيف، وإن كان أحد رواة مسلم، فضلاً عن أنه قد روى رواية خالف فيها جمهور الرواة، وإن الضعيف إذا أتى برواية يخالف فيها الثقات، فهذه الرواية منكرة، وهي في غاية النكارة إذا تعلقت بذات الإله أو بصفاته.
والحديث الذي رواه ابن عمر عند البخاري وكذلك عند مسلم ليس عندهما لفظة: (الشمال) والحديث المتفق عليه في الصحيحين أولى مما تفرد به مسلم، بل ومن طريقه راوٍ ضعيف.
وقال الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات: ذكر الشمال في الرواية تفرد به عمر بن حمزة عن سالم، وقد روى هذا الحديث نافع وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر ولم يذكرا فيه الشمال.
فلما خالفه عمر بن حمزة وهو ضعيف دل ذلك على أن روايته منكرة.
وروي ذكر الشمال في حديث آخر في غير هذه القصة إلا أنه ضعيف كذلك بمرة، تفرد بأحدهما جعفر بن الزبير، وفي الطريق الثاني يزيد الرقاشي وهما متروكان، فكيف يقال: إن الشمال في مقابلة اليمين؟ وتخرج من ذلك إلى أنه لا يصح دليل ولن يصح دليل في إثبات صفة الشمال في يدي الله تبارك وتعالى؛ لأن هذه اللفظة إنما وردت من طريق الضعفاء، والذي روي من طريق الثقات كذلك ورد في كتاب الله عز وجل أن الله تعالى له يدان، وكلتا يديه يمين.
وأما قولهم: إن ذكر اليمين يدل على أن الأخرى شمال قول صحيح لو لم يرد ما يدل على أن كلتا يديه يمين.
يعني: صحيح عند إطلاق اليدين في لغة العرب وفي التصور الذهني أن أحدهما يمين والآخر شمال، لكن هذا في حياة المخلوقين أولاً.
ثانياً: أن هذا القياس لا يصح مع المولى تبارك وتعال خاصة، فإنه قد ثبت بالأدلة أن كلتا يديه يمين على أية حال، ونحن نعلم يقيناً أن الخلق جميعاً إذا كانت لهم يدان فإحداهما يمين والأخرى يسار، وقد ورد في بعض أشعار العرب مدحاً بوصف الرجل باليمينين، فكيف لا يكون المولى تبارك وتعالى كذلك إذ إن وصف اليدين بأن كلتيهما يمين لا يعني عند العرب أن الأخرى ليست يساراً، بل قد يوصف الإنسان بأن يديه كلتاهما يمين كما قال المرار الأسدي: وإن على الأمانة من عقيل فتى كلتا اليدين له يمين ولا يعني ذلك: أنه لا شمال له، بل هو من كرمه وعطائه بشماله ويمينه، فهو يعني: أن يده الشمال تنفق وتعطي كيده اليمين.
ولقب أبو الطيب طاهر بن حسين بن مصعب بذي اليمينين، كتب له أحد أصحابه: للأمير المهذب المكنى بطيب ذو اليمينين طاهر بن الحسين بن مصعب والشاهد: (ذو اليمينين) لفرط عطائه وجوده.
يريد أن يقول له: أنت يدك تعطي وتبذل بالليل والنهار، وأنت لا تبخل عن أصحابك بشيء سواء بيمينك أو بشمالك، وهذا كلام لا يستقيم في الأذهان، ولكنه خرج مخرج المجاز في الإطناب والمدح، وإلا فإنفاق الشمال مكروه في الشرع؛ ولذلك قالت عائشة: وكان النبي عليه الصلاة والسلام يحب التيمن في أمره كله كان يحب التيمن في ترجله، وتنعله وفي عطائه وأخذه، فما كان النبي عليه الصلاة والسلام يعطي إلا بيمينه، وما كان يأخذ شيئاً من أصحابه إلا بيمينه.
والترجيح: أن صفات الله تبارك وتعالى توقيفية، والذي قد ثبت بالنص أن كلتا يديه يمين، ولابد من القول والذهاب إلى هذا المذهب بأن كلتا يدي ربنا تبارك وتعالى يمين، ولا توصف إحداهما بأنها شمال.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله تبارك وتعالى لي ولكم.
وصلى الله على نبينا محمد.