[أدلة إثبات صفة النفس لله تعالى]
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد: فإن العقيدة هي أهم شيء في حياة المسلم، وأهم شيء في العقيدة هو أن تعتقد في ذات الإله تبارك وتعالى ما يجب له وما يستحيل عليه، وما يستحيل عليه هو ما لا يجوز نسبته إلى الله عز وجل، وهي جميع صفات النقص.
وما يجب إثباته لله عز وجل هو جميع صفات الكمال التي أثبتها لنفسه سبحانه وتعالى، وأثبتها له رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ومما أثبته الله تبارك وتعالى لنفسه وأثبته له رسوله الكريم: (صفة النفس).
و
السؤال
هل لله نفس؟
الجواب
نعم.
لله نفس؛ لأن هذه الصفة ثبتت في الكتاب وثبتت في السنة الصحيحة، فإذا ثبتت في الكتاب فلابد وأن نسلم؛ لأن الله تعالى أعلم بنفسه من غيره، وإذا جاءت على لسان رسوله، فلابد وأن نقر بأن النبي عليه الصلاة والسلام هو أعلم الخلق بربه، وأن نسلم له حتى وإن لم يكن ما قاله يتناسب مع عقولنا؛ لأن الله تبارك وتعالى فوق حد العقول، ولا يمكن لعقل أن يحيط بالله عز وجل؛ لا بأسمائه ولا صفاته ولا ذاته.
فإذا كان عقلك يستجيز أن ذات الله تبارك وتعالى لا يمكن الإحاطة بها، فلم تقول: إنه لا يعقل أن يكون لله نفس أو يد أو عين أو ساق؟ لم تستبعد هذا وتستقرب ذاك والجميع واحد، والكلام في صفة النفس كالكلام في بقية الصفات؟ صفة النفس جاء ذكرها في كتاب الله عز وجل، قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:٢٨].
وقال تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:٥٤].
وقال تعالى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:٤١].
فهذه ثلاث آيات في كتاب الله عز وجل -ويوجد غيرها- تثبت أن الله تبارك وتعالى نفساً.
والنفس بإسكان الفاء؛ لأن لله تبارك وتعالى نفس بتحريك الفاء، وقال النبي عليه الصلاة والسلام في ثنائه على الله عز وجل: (لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك).
فأثبت الحديث أن لله تعالى نفساً.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة وهو قطعة من حديث طويل قدسي: (قال الله عز وجل: وإذا ذكرني -أي: عبدي- في نفسه ذكرته في نفسي).
وبهذه الأدلة يجب علينا أن نثبت أن لله تعالى نفساً.
وبعض أهل العلم ادعى المشاكلة في الآية الكريمة: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة:١١٦] فقالوا: سبب المشاكلة أن الله تبارك وتعالى عبر بما هو في معقول العباد، وما هو في مفهومهم حتى يقرب إليهم المعنى، وليست النفس هنا حقيقة، ولكن الله عبر بشيء يعلمه المخاطب، وهذا باب المشاكلة أو المقابلة.
يعني: ذكر النفس في مقابل النفس، ولكن النفس في البشر حقيقة، كما قال عيسى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} [المائدة:١١٦]، ونفس البشر معلومة، والله تبارك وتعالى منزه عن النفس.
لماذا تنزهون الله تبارك وتعالى عما أثبته هو لنفسه، وما أثبته له رسوله؟ أأنتم أعلم أم الله؟ أأنتم أعلم أم النبي عليه الصلاة والسلام؟ هذه دعوى غير واردة بل باطلة؛ لأن النصوص الأخرى كلها وردت دون مقابلة أو مشاكلة.
أيضاً: ذكرت النفس في هذه الآية: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة:١١٦].
هو من كلام عيسى عليه السلام، والله تبارك وتعالى إنما تكلم بهذا الكلام على لسان عيسى؛ فأين المشاكلة وأين المقابلة؟ أيضاً: أن الله تبارك وتعالى يعلم السر وأخفى، فإذا كلمه عبد من عباده أو نبي من أنبيائه أو رسول من رسله فإنه يعلم ذلك حتى قبل أن يتكلم، فلا مشاكلة هنا ولا داعي للمقابلة.
كذلك لو سلمنا جدلاً بأن الله تبارك وتعالى ساق هذا على سبيل المشاكلة والمقابلة -وهي دعوى عريضة لا دليل عليها- فهل ذكر النفس في الأدلة الأخرى والأحاديث الصحيحة الثابتة أيضاً جاء على سبيل المشاكلة والمقابلة؟
الجواب
لا.
لأنه تعالى قال: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:٤١].
أين المشاكلة هنا وأين المقابلة؟ والمقابلة: هي ذكر النص في مقابل نص، فقوله تعالى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} لم تذكر فيه إلا نفس واحدة وهي نفس الله تبارك وتعالى، فلابد من إثبات النفس لله عز وجل، وليس هناك ما يدعو إلى التأويل أو التحريف؛ إذ شأن النفس كشأن الصفات الخبرية الذاتية الكثيرة التي تعرضنا لمعظمها وسنتعرض لباقيها إن شاء الله تعالى.