[مشابهة عقائد الثوبانية لعقائد المعتزلة]
قال: والثوبانية يرون تأخير العمل كله عن الإيمان، يعني: أنه لا علاقة للعمل قط بالإيمان، لا عمل القلب ولا عمل اللسان ولا عمل الجوارح؛ لأن العمل عندهم خارج عن مسمى وماهية الإيمان، واتفقوا على أنه تعالى لو عفا يوم القيامة عن عاص فلابد أن يعفو عن كل من هو مثله، يعني: لو أن الله تبارك وتعالى عفا عن زان أو سارق أو شارب للخمر فعلى مذهب الثوبانية يلزمه لزوماً أن يعفو عن كل من هو مثل هذا المذنب أو العاصي.
وهذا المبدأ عند الثوبانية يشبه مبدأ جبرية المعتزلة، وهذا المبدأ عند المعتزلة يسمونه العدل، وهو من أصولهم.
وأصول المعتزلة خمسة، أولاً: التوحيد.
ثانياً: العدل.
ثالثاً: المنزلة بين المنزلتين.
رابعاً: الوعد والوعيد.
خامساً: تقديم العقل على النقل.
وهناك أصل سادس يدخل تحت الوعد والوعيد وهو: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والناظر إلى هذه الأصول يجدها جيدة، يعني: إذا قلنا: من أصول المعتزلة التوحيد فليس هناك من يكره التوحيد، ولكن التوحيد عندهم يساوي تعطيل الصفات؛ لأنهم قالوا: بلزوم التشبيه حين إثبات الصفات، فقد قالوا: نحن نريد أن ننزه ربنا، فنفوا جميع الصفات الموجودة في الكتاب والسنة وأولوها، قالوا: لأن الإثبات يستلزم تشبيه الخالق بالمخلوق، فمثلاً إذا أثبتنا اليد فإن الذهن ينصرف إلى تشبيه يد الخالق بيد المخلوقين، وإذا قلنا بهذا فنحن لم نوحده، بل جعلنا الخلق شركاء له في الصفات، فكلمة التوحيد التي يزعمونها أصلها ضلال.
ومن أصول المعتزلة العدل، وهو يعني عندهم وجوب الأصلح على الله عز وجل، وقيل: وجوب الصالح، يعني: أنهم مختلفون فيما بينهم، فالعدل عندهم يساوي وجوب الأصلح في حق الله أو وجوب الصالح، وكلاهما باطل.
والله تبارك وتعالى لا يشرع لعباده إلا الأصلح أو الصالح، ولا يقدر لهم إلا الأصلح أو الصالح.
وقالوا: بوجوب إثابة المطيع ومعاقبة العاصي، وأن هذا عدل، وأن الله تبارك وتعالى لا يساوي بين الطائع والعاصي، بل الطائع لزاماً على الله أن يثيبه، والعاصي لزاماً على الله أن يعاقبه، وهذه جرأة وقلة أدب مع الله عز وجل.
وأهل السنة والجماعة يقولون: لو مات مرتكب الكبيرة عليها فإنه في مشيئة الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، والله تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فهو يفعل ما يشاء، فيعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء، وأن هذه كلها مشيئة الله عز وجل، ولا يستطيع أحد أن يحاسب الله تعالى لم أثاب هذا ولم عاقب هذا، بل المقطوع به يقيناً عند أهل السنة والجماعة: أن الله تعالى لو أدخل عبداً الجنة لأدخله برحمته وفضله، ولو أدخله النار لأدخله بعدله غير ظالم له، وأنه إذا عفا تبارك وتعالى عن عبده فإن ذلك يكون لحكمة؛ لأن أفعال الله تبارك وتعالى كلها موصوفة بالحكمة.
وهؤلاء قالوا: العدل يعني: أن الطائع لابد أن يأخذ ثواب الطاعة، ونحن نسألهم: إذا رأينا رجلاً يصلي لغير الله، ومعلوم أن الصلاة طاعة، أو يصلي رياء وسمعة، وآخر يجاهد رياء وسمعة، وآخر يعلم العلم رياء وسمعة وطلباً للشهرة والرئاسة وغير ذلك، هل يلزم الله تبارك وتعالى أن يثيب هذا العبد؛ لأنه طائع؟
الجواب
لا، والأعمال بالخواتيم، ونحن نعرف حديث ابن مسعود الطويل: (وإن العبد ليعمل بعمل أهل النار -أي: طوال حياته- فإذا ما كان بينه وبينها إلا ذراع -يعني: وقت يسير جداً- سبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).
والمعتزلة يقولون: لا، إذ كيف يعمل خمسين سنة بعمل أهل النار من المعاصي والفجور وغير ذلك ثم قبل أن يموت بيومين أو ثلاثة يعمل بالطاعة ويدخل الجنة؟ بل لابد أن يأخذ عقابه تماماً على معاصيه طوال الخمسين السنة، وبعد ذلك يثاب على طاعة اليومين أو الثلاثة، مع أنه جاء في الحديث: (الأعمال بالخواتيم).
فهم قالوا بلزوم الأصلح في حق الله عز وجل أو بلزوم الصالح، ووجوب إثابة الطائع وعقاب العاصي على الله عز وجل، وأوجبوا ذلك على الله عز وجل.
وهذا المبدأ يسمى عند المعتزلة مبدأ العدل.
وكلمة العدل عند الإطلاق ممدوحة، ولكنها على تفسيرهم صارت مذمومة، وهذا من أجل أن تعلم أن كلام أهل البدع دائماً مجمل؛ لأنهم لو شرحوه وبينوه فسيكون قبيحاً وسيرد عليهم في ذلك.
واتفق الثوبانية على أنه تعالى لو عفا في القيامة عن عاص فإنه يلزمه أن يعفو عن جميع العصاة من أمثاله، وكذا لو أخرج أحداً من النار للزمه أن يخرج كل من هو مثله.
وهذا الكلام شبيه بمبدأ العدل عند المعتزلة.
والثوبانية لم يجزموا بخروج عصاة المؤمنين من النار، بل قالوا: يمكن أن يخرجوا ويمكن ألا يخرجوا.
وكلمة يمكن أنهم لا يخرجون تعني: أنهم قد يخلدون في النار، وأهل السنة والجماعة يجزمون بأنه لا يبقى في النار قط من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وإن دخل بعض المؤمنين النار بسبب أعمالهم التي استوجبت لهم العذاب في النار فإنهم لابد خارجون منها، وداخلون الجنة ومخلدون فيها، ولا يخلد في النار إلا الكفار والمنافقون، وأما المؤمنون فإنهم وإن دخلوا الن